هذا الجامع يعرف اليوم بجامع الأولياء، وهو مسجد بني عبد الله بن مانع بن مزروع، ويعرف بمسجد القبة، وقد ذكر عند ذكر الجوامع من هذا الكتاب.
مسجد الأطفيحيّ
هذا المسجد كان في البطحاء، بحريّ مجرى جامع الفيلة إلى الشرق، مخالطا لخطط الكلاع ورعين والأكنوع والأكحول. ويقال له مسجد وحاطة بن سعد الأطفيحيّ، من أهل أطفيح، شيخ له سمت، وكتب الحديث في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وما قبلها، وسمع من الحباك وهو في طبقته، وهو رفيق الفرّاء وابن مشرف وابن الحظية وأبي صادق، وسلك طريق أهل القناعة والزهد والعزلة كأبي العباس ابن الحظية وكان الأفضل الكبير شاهنشاه صاحب مصر قد لزمه، واتخذ السعي إليه مفرتضا، والحديث معه شهوة. وغرضا لا ينقطع عنه. وكان فكه الحديث، قد وقف من أخبار الناس والدول على القديم والحديث، وقصده الناس لأجل حلول السلطان عنده لقضاء حوائجهم فقضاها، وصار مسجده موئلا للحاضر والبادي. وصدى لإجابة صوت النادي، وشكا الشيخ إلى الأفضل تعذر الماء ووصوله إليه، فأمر ببناء القناطر التي كانت في عرض القرافة من المجرى الكبيرة الطولونية، فبنيت إلى المسجد الذي به الأطفيحيّ، ومضى عليها من النفقة خمسة آلاف دينار، وعمل الأطفيحيّ صهريج ماء شرقيّ المسجد، عظيما محكم الصنعة، وحمّاما وبستانا كان به نخلة سقطت بعد سنة خمسين وخمسمائة. وعمل الأفضل له مقعدا بحذاء المسجد إلى الشرق، علو زيادة في المسجد شرقيه، وقاعة صغيرة مرخمة إذا جاء عنده جلس فيها وخلا بنفسه واجتمع معه وحادثه، وكان هذا المقعد على هيئة المنظرة بغير ستائر، كلّ من قصد الأطفيحيّ من الكتفي يراه، وكان الأفضل لا يأخذه عنه القرار، يخرج في أكثر الأوقات من دار الملك باكرا أو ظهرا أو عصرا بغتة، فيترجل ويدق الباب وقارا للشيخ، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يقرعون أبواب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بظفر الإبهام والمسبحة، كما يحصب بهما الحاصب، فإن كان الشيخ يصلي لا يزال واقفا حتى يخرج من الصلاة ويقول من فيقول ولدك شاهنشاه. فيقول نعم. ثم يفتح فيصافحه الأفضل ويمرّ بيده التي لمس بها يد الشيخ على وجهه، ويدخل فيقول الشيخ: نصرك الله، أيدك الله، سدّدك الله، هذه الدعوات الثلاثة لا غير أبدا. فيقول الأفضل آمين، وبنى له الأفضل المصلّى ذات المحاريب الثلاثة شرقيّ المسجد إلى القبليّ قليلا، ويعرف بمصلّى الأطفيحيّ، كان يصلّي فيه على جنائز موتى القرافة، وكان سبب اختصاص الأفضل بهذا الشيخ، أنه لما كان محاصرا نزار بن المستنصر بالإسكندرية، وناصر الدولة أفتكين الأرمنيّ، أحد مماليك أمير الجيوش بدر، وكانت أمّ