الأفضل إذ ذاك وهي عجوز لها سمت ووقار، تطوف كلّ يوم وفي الجمعة الجوامع والمساجد والرباطات والأسواق، وتستقص الأخبار، وتعلم محب ولدها الأفضل من مبغضه، وكان الأطفيحيّ قد سمع بخبرها، فجاءت يوم جمعة إلى مسجده وقالت له: يا سيدي ولدي في العسكر مع الأفضل، الله يأخذ لي الحق منه، فإني خائفة على ولدي، فادع الله لي أن يسلمه. فقال لها الشيخ: يا أمة الله أما تستحيين تدعين على سلطان الله في أرضه، المجاهد عن دينه، الله تعالى ينصره ويظفره ويسلّمه، ويسلم ولدك، ما هو إن شاء الله إلّا منصور مؤيد مظفر، كأنك به وقد فتح الإسكندرية وأسر أعداءه وأتى على أحسن قضية وأجمل طوية، فلا تشغلي لك سرّا، فما يكون إلّا خيرا إن شاء الله تعالى، ثم إنها اجتازت بعد ذلك بالفار الصيرفيّ بالقاهرة بالسرّاجين، وهو والد الأمير عبد الكريم الآمريّ صاحب السيف، وكان عبد الكريم قد ولي مصر بعد ذلك في الأيام الحافظية، وكان عبد الكريم هذا له في أيام الآمر وجاهة عظيمة وصولة، ثم افتقر.
فوقفت أمّ الأفضل على الصيرفيّ تصرف دينارا وتسمع ما يقول، لأنه كان إسماعيليا متغاليا، فقالت له: ولدي مع الأفضل؛ وما أدرى ما خبره. فقال لها الفار المذكور، لعن الله المذكور الأرمنيّ الكلب العبد السوء ابن العبد السوء، مضى يقاتل مولاه ومولى الخلق، كأنك والله يا عجوز برأسه جائزا من هاهنا على رمح قدّام مولاه نزار ومولاي ناصر الدولة إن شاء الله تعالى، والله يلطف بولدك، من قال لك تخليه يمضي مع هذا الكلب المنافق، وهو لا يعرف من هي.
ثم وقفت على ابن بابان الحلبيّ وكان بزازا بسوق القاهرة فقالت له مثل ما قالت للفار الصيرفيّ ... وقال لها مثل ما قال لها. فلما أخذ الأفضل نزارا وناصر الدولة وفتح الإسكندرية، حدّثته والدته الحديث وقالت: إن كان لك أب بعد أمير الجيوش فهذا الشيخ الأطفيحيّ. فلما خلع عليه المستعلي بالقصر وعاد إلى دار الملك بمصر، اجتاز بالبزازين يوما، فلما نظر إلى ابن بابان الحلبيّ قال: انزلوا بهذا فنزلوا به، فقال: رأسه. فضربت عنقه تحت دكانه. ثم قال لعبد على أحد مقدّمي ركابه: قف هاهنا لا يضيع له شيء إلى أن يأتي أهله فيتسلموا قماشه، ثم وصل إلى دكان الفار الصيرفيّ فقال: انزلوا بهذا، فنزلوا به، فقال: رأسه. فضربت عنقه تحت دكانه. وقال ليوسف الأصغر أحد مقدّمي الركاب اجلس على حانوته إلى أن يأتي أهله ويتسلموا موجوده، وإياك وماله وصندوقه، وإن ضاع منه درهم ضربت عنقك مكانه، كان لنا خصم أخذناه وقد فعلنا به ما يردع غيره عن فعله، وما لنا ماله، ولا فقر أهله، ثم أتى الأفضل إلى الشيخ أبي طاهر الأطفيحيّ وقرّبه وخصصه إلى أن كان من أمره مما شرحناه.