للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا بركة الحبش التي يومي بها ... طول الزمان مبارك وسعيد

حتى كأنك في البسيطة جنة ... وكأن دهري كله بك عيد

يا حسن ما يبدو بك الكتان في ... نواره أوزرّه معقود

والماء منك سيوفه مسلولة ... والقرط فيك رواقه ممدود

وكأنّ أبراجا عليك عرائس ... جليت وطيرك حولها غرّيد

يا ليت شعري هل زمانك عائد ... فالشوق فيه مبدئ ومعيد

وكان ماء النيل يدخل إلى بركة الحبش من خليج بني وائل، وكان خليج بني وائل مما يلي باب مصر من الجهة القبلية، الذي يعرف إلى يومنا هذا بباب القنطرة، من أجل أن هذه القنطرة كانت هناك. قال ابن المتوج: ورأيت ماء النيل في زمن النيل يدخل من تحته إلى خليج بني وائل. قلت وفي أيام الناصر محمد بن قلاون استولى النشو ناظر الخاص على بركة الحبش، وصار يدفع إلى الأشراف من بيت المال مالا في كل سنة، فلما مات الناصر وقام من بعده ابنه المنصور أبو بكر أعيدت لهم.

ذكر الماردانيّ

هو أبو بكر محمد بن عليّ بن محمد بن رستم بن أحمد. وقيل محمد بن عليّ بن أحمد بن عيسى بن رستم. وقيل محمد بن عليّ بن أحمد بن إبراهيم بن الحسين بن عيسى بن رستم الماردانيّ، أحد عظماء الدنيا. ولد بنصيبين «١» لثلاث عشرة خلت من شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقدم إلى مصر في سنة اثنتين وسبعين ومائتين، وخلف أباه عليّ بن أحمد الماردانيّ أيام نظره في أمور أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، وسنّه يومئذ خمس عشرة سنة، وكان معتدل الكتابة ضعيف الحظ من النحو واللغة، ومع ذلك فكان يكتب الكتب إلى الخليفة، فمن دونه على البديهة من غير نسخة، فيخرج الكتاب سليما من الخلل. ولما قتل أبوه في سنة ثمانين ومائتين، استوزره هارون بن خماريه، فدبّر أمر مصر إلى أن قدم محمد بن سليمان الكاتب من بغداد إلى مصر، وأزال دولة بني طولون، وحمل رجالهم إلى العراق، فكان أبو بكر ممن حمله، فأقام ببغداد إلى أن قدم صحبة العساكر لقتال خباسة، فدبر أمر البلد وأمر ونهى، وحدّث بمصر عن أحمد بن عبد الجبار العطارديّ وغيره، بسماعه منهم في بغداد، وكان قليل الطلب للعلم، تغلب عليه محبة الملك وطلب السيادة، ومع ذلك كان يلازم تلاوة القرآن الكريم ويكثر من الصلاة ويواظب على الحج، وملك بمصر من الضياع الكبار ما لم يملكه أحد قبله، وبلغ ارتفاعه في كل سنة أربعمائة ألف دينار سوى الخراج، ووهب وأعطى وولى وصرف وأفضل ومنع

<<  <  ج: ص:  >  >>