بناء الإسكندرية طبقات، وتحتها قناطر مقنطرة عليها دور المدينة يسر تحتها الفارس، وبيده رمح لا تضيق به حتى يدور جميع تلك الآزاج والقناطر التي تحت المدينة، وقد عمل لتلك العقود والآزاج مخاريق ومتنفسات للضياء ومنافذ للهواء، وقد كانت الإسكندرية تضيء بالليل بغير مصباح لشدّة بياض الرخام والمرمر، وكانت أسواقها وشوارعها وأزقتها مقنطرة كلها لا يصيب أهلها شيء من المطر، وكان عليها سبعة أسوار من أنواع الحجارة المختلفة الألوان بينها خنادق، وبين كل خندق وسور فصول، وربما تعلق في المدينة شقاق الحرير الأخضر لاختطاف بياض الرخام أبصار الناس لشدّة بياضه.
فلما أحكم بناءها، وسكنها أهلها كانت آفات البحر، وسكانه على ما زعم الإخباريون من المصريين والإسكندريين تختطف بالليل أهل المدينة، فيصبحون، وقد فقد منهم العديد الكثير، فلما علم بذلك الإسكندر اتخذ الطلسمات على أعمدة هنالك تدعى: المسال، وهي باقية إلى هذه الغاية كل واحد من هذه الأعمدة على هيئة السروة وطول كل واحد منها ثمانون ذراعا على عمد من نحاس، وجعل تحتها صورا وأشكالا وكتابة.
قال مؤلفه رحمه الله فيما تقدّم من حكاية ابن وصيف شاه: ما يتبين به وهم ما نقله المسعوديّ، من أن الإسكندر هو الذي عمل التابوت حتى صوّر أشكال حيوانات البحر، فإنّ ابن وصيف شاه أعرف بأخبار أهل مصر، وكذلك ما ذكره المسعوديّ من أنّ المسال، من عمل الإسكندر وهم أيضا، بل هذه المسال هي المناير التي كان ينوّر عليها والأعلام التي كانت ملوك مصر القدماء تنصبها، وهي من أعمال ملوك القبط الأول، ومن أعمال الفراعنة الذين ملكوا مصر من قديم الزمان.
[ذكر الإسكندر]
هو الإسكندر بن فيليبس بن آمنته (ويقال: آمنتاس) بن هركلش (ويقال: هرقول) الجبار، الذي هو ابن الإسكندر الأعظم، ولي أبوه فيليبس الملك في بلد مجدونية (ويقال:
مقدونية) خمسا وعشرين سنة، استنبط فيها ضروبا من المكر وابتدع أنواعا من الشرّ تقدّم فيها كل من ولي الملك بها قبله.
وكان في أوّل أمره قد جعله أخوه الإسكندر رهينة عند أمير من الروم، فأقام عنده ثلاث سنين، وكان فيلسوفا فتعلم عنده ضروب الفلسفة، فلما قتل أخوه الإسكندر، اجتمع الناس على تولية فيليبس فولوه أميرا، فقام في السلطان مقاما عظيما، فحارب الروم وغلب عليهم ومضى إلى البرية، فقتل بها من الناس آلافا، وغلب على مدائن فاجتمع له جمع لا يقاد، وجيش لا يرام، فأذل جميع الروم وذهبت عينه في بعض الحروب، وغمر البلدان والمدائن عمارة وهدما وسبيا وانتهابا، ثم حشد جميع أهل بلد الروم وعبأ عسكرا فيه: مائتا