وأربعمائة، كان ثالث الفتح، فاجتمع بقنطرة المقس عند كنيسة المقس من النصارى والمسلمين في الخيام المنصوبة وغيرها خلق كثير للأكل والشرب واللهو، ولم يزالوا هناك إلى أن انقضى ذلك اليوم، وركب أمير المؤمنين، يعني الظاهر لاعزاز دين الله أبا الحسن عليّ بن الحاكم بأمر الله، في مركبه إلى المقس، وعليه عمامة شرب مفوّطة بسواد، وثوب ديبقي من شكل العمامة، ودار هناك طويلا وعاد إلى قصره سالما، وشوهد من سكر النساء وتهتكهن وحملهن في قفاف الحمالين سكارى، واجتماعهن مع الرجال أمر يقبح ذكره.
ذكر الخليج الناصريّ
هذا الخليج يخرج من بحر النيل ويصب في الخليج الكبير، وكان سبب حفره أنّ الملك الناصر محمد بن قولان، لما أنشأ القصور والخانقاه بناحية سرياقوس، وجعل هناك ميدانا يسرح إليه، وأبطل ميدان القبق المعروف بالميدان الأسود ظاهر باب النصر من القاهر، وترك المسطبة التي بناها بالقرب من بركة الحبش لمطعم الطيور والجوارح، اختار أن يحفر خليجا من بحر النيل لتمرّ فيه المراكب إلى ناحية سر ياقوس، لحمل ما يحتاج إليه من الغلال وغيرها، فتقدّم إلى الأمير سيف الدين أرغون نائب السلطنة بديار مصر بالكشف عن عمل ذلك، فنزل من قلعة الجبل بالمهندسين وأرباب الخبرة إلى شاطىء النيل، وركب النيل، فلم يزل القوم في فحص وتفتيش إلى أن وصلوا بالمراكب إلى موردة البلاط من أراضي بستان الخشاب، فوجدوا ذلك الموضع أوطأ مكان يمكن أن يحفر، إلّا أن فيه عدّة دور، فاعتبروا فم الخليج من موردة البلاط، وقدّروا أنه إذا حفر مرّ الماء فيه من موردة البلاط إلى الميدان الظاهريّ الذي أنشأه الملك الناصر بستانا، ويمرّ من البستان إلى بركة قرموط حتى ينتهي إلى ظاهر باب البحر، ويمرّ من هناك على أرض الطبالة فيصب في الخليج الكبير، فلما تعين لهم ذلك، عاد النائب إلى القلعة وطالعه بما تقرّر، فبرز أمره لسائر أمراء الدولة بإحضاء الفلاحين من البلاد الجارية في إقطاعاتهم، وكتب إلى ولاة الأعمال بجمع الرجال لحفر الخليج، فلم يمض سوى أيام قلائل حتى حضر الرجال من الأعمال، وتقدّم إلى النائب بالنزول للحفر ومعه الحجاب، فنزل لعمل ذلك، وقاس المهندسون طول الحفر من موردة البلاط حيث تعين فم الخليج إلى أن يصب في الخليج الكبير، وألزم كل أمير من الأمراء بعمل أقصاب فرضت له، فلما أهلّ شهر جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وقع الشروع في العمل، فبدأوا بهدم ما كان هناك من الأملاك التي من جهة باب اللوق إلى بركة قرموط، وحصل الحفر في البستان الذي كان للنائب، فأخذوا منه قطعة، ورسم أن يعطى أرباب الأملاك أثمانها، فمنهم من باع ملكه وأخذ ثمنه من مال السلطان، ومنهم من هدم داره ونقل أنقاضها، فهدمت عدّة دور ومساكن جليلة، وحفر في عدّة بساتين، فانتهى العمل في سلخ جمادى الآخرة على رأس شهرين، وجرى الماء فيه عند زيادة النيل، فأنشأ الناس عدّة سواق وجرت فيه السفن بالغلال وغيرها،