بسم الله الرّحمن الرّحيم اعلم أن أرض مصر لما فتحت في سنة عشرين من الهجرة، واختط الصحابة رضي الله عنهم فسطاط مصر كما تقدّم، لم يكن بالفسطاط غير مسجد واحد، وهو الجامع الذي يقال له في مدينة مصر الجامع العتيق، وجامع عمرو بن العاص. وما برح الأمر على هذا إلى أن قدم عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما من العراق، في طلب مروان بن محمد في سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فنزل عسكره في شماليّ الفسطاط، وبنوا هناك الأبنية، فسمي ذلك الموضع بالعسكر، وأقيمت هناك الجمعة في مسجد، فصارت الجمعة تقام بمسجد عمرو بن العاص وبجامع العسكر، إلى أن بنى الأمير أحمد بن طولون جامعه على جبل يشكر، في سنة تسع وخمسين ومائتين، حين بنى القطائع، فتلاشى من حينئذ جامع العسكر، وصارت الجمعة تقام بجامع عمرو وبجامع ابن طولون، إلى أن قدم جوهر القائد من بلاد القيروان بالمغرب، ومعه عساكر مولاه المعز لدين الله أبي تميم معدّ، فبنى القاهرة وبنى الجامع الذي يعرف بالجامع الأزهر في سنة ستين وثلاثمائة، فكانت الجمعة تقام في جامع عمرو، وجامع ابن طولون، والجامع الأزهر، وجامع القرافة الذي يعرف اليوم بجامع الأولياء. ثم إنّ العزيز بالله أبا منصور نزار بن المعز لدين الله، بنى في ظاهر القاهرة من جهة باب الفتوح الجامع الذي يعرف اليوم بجامع الحاكم، في سنة ثمانين وثلاثمائة، وأكمله ابنه الحاكم بأمر الله أبو عليّ منصور، وبنى جامع المقس، وجامع راشدة، فكانت الجمعة تقام في هذه الجوامع كلها إلى أن انقرضت دولة الخلفاء الفاطميين، في سنة سبع وستين وخمسمائة، فبطلت الخطبة من الجامع الأزهر، واستمرّت فيما عداه.
فلما كانت الدولة التركية حدث بالقاهرة والقرافة ومصر وما بين ذلك عدّة جوامع، أقيمت فيها الجمعة، وما برح الأمر يزداد حتى بلغ عدد المواضع التي تقام بها الجمعة، فيما بين مسجد تبر خارج القاهرة من بحريها إلى دير الطين قبليّ مدينة مصر، زيادة على مائة موضع. وسيأتي من ذكر ذلك ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى.
وقد بلغت عدّة المساجدة التي تقام بها الجمعة مائة وثلاثين مسجدا. منها: بمدينة مصر: جامع عمرو بن العاص، والجامع الجديد، والمدرسة المعزية، وجامع ابن اللبان،