هذه المدينة عرفت: بقفطريم بن قبطيم بن مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، وكانت في الدهر الأوّل، مدينة الإقليم، وإنما بدا خرابها بعد الأربعمائة من تاريخ الهجرة النبوية، وآخر ما كان فيها بعد السبعمائة من سني الهجرة، أربعون مسبكا للسكر، وست معاصر للقصب، ويقال: كان فيها قباب بأعالي دورها، وكانت إشارة من ملك من أهلها عشرة آلاف دينار أن يجعل في داره قبة، وبالقرب منها معدن الزمرّذ، ولم يبطل إلا من قريب، فإنّ قفطريم ولي الملك بعد أبيه قبطيم.
قال ابن وصيف شاه: كان أكبر ولد أبيه، وكان جبارا عظيم الخلق، وهو الذي وضع أساسات الأهرام الدهشورية وغيرها، وهو الذي بنى مدينة دندرة «٢» ، ومدينة الأصنام، وهلكت عاد بالريح في آخر أيامه، وأثار من المعادن ما لم يثره غيره، وكان يتخذ من الذهب مثل حجر الرحى، ومن الزبرجد مثل الأسطوانة، ومن الإسبادشم في صحراء الغرب كالقلة، وعمل من العجائب شيئا كثيرا.
وبنى منارا عاليا على جبل قفط، يرى منه البحر الشرقيّ، ووجد هناك معدن زئبق، فعمل منه تمثالا كالعمود لا ينحلّ، ولا يذوب.
وعمل البركة التي سماها صيادة الطير إذا مرّ عليها طائر سقط فيها، ولم يقدر على الحركة، حتى يؤخذ، وهذه البركة يقال: إنها هناك إلى الآن، وأما المنار فسقط، وعمل عجائب كثيرة، وفي أيامه أثار عبادة الأصنام التي كان الطوفان غرّقها وزين الشيطان أمرها وعبادتها، ويقال: إنه بنى المدائن الداخلة، وعمل فيها عجائب، وبنى غربيّ النيل، وخلف الواحات الداخلة مدنا عمل فيها عجائب كثيرة، ووكل بها الروحانيين الذين يمنعون منها، فما يستطيع أحد أن يدنو إليها ولا يدخلها، إلا أن يعمل قرابين لأولئك الروحانيين، وأقام قفطريم ملكا أربعمائة وثمانين سنة، وأكثر العجائب عملت في وقته، ووقت ابنه، البودسير، ولذلك كان الصعيد أكثر عجائب من أسفل، لأنّ حيز قفطريم فيه.
ولما حضر قفطريم الوفاة عمل ناوسا في الجبل الغربيّ قرب مدينة الكهان في سرب تحت الأرض معقود على آزاج إلى الأرض، ونقر تحت الجبل، دارا واسعة، وجعل دورها