ووزارة يعقوب بن كلس، فعمل ذلك بالجامع الأزهر كما تقدّم ذكره، ثم عمل في دار الوزير يعقوب بن كاس مجلس يحضره الفقهاء، فكان يقرأ فيه كتاب فقه على مذهبهم، وعمل أيضا مجلس بجامع عمرو بن العاص من مدينة فسطاط مصر لقراءة كتاب الوزير، ثم بنى الحاكم بأمر الله أبو عليّ منصور بن العزيز دار العلم بالقاهرة كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب، فلما انقرضت الدولة الفاطمية على يد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أبطل مذاهب الشيعة من ديار مصر، وأقام بها مذهب الإمام الشافعيّ، ومذهب الإمام مالك، واقتدى بالملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، فإنه بنى بدمشق وحلب وأعمالهما عدّة مدارس للشافعية والحنفية، وبنى لكل من الطائفتين مدرسة بمدينة مصر. وأوّل مدرسة أحدثت بديار مصر المدرسة الناصرية بجوار الجامع العتيق بمصر، ثم المدرسة القمحية المجاورة للجامع أيضا، ثم المدرسة السيوفية التي بالقاهرة، ثم اقتدى بالسلطان صلاح الدين في بناء المدارس بالقاهرة ومصر وغيرهما من أعمال مصر وبالبلاد الشامية والجزيرة أولاده، وأمراؤه، ثم حذا حذوهم من ملك مصر بعدهم من ملوك الترك وأمرائهم وأتباعهم إلى يومنا هذا، وسأذكر ما بديار مصر من المدارس، وأعرّف بحال من بناها على ما اعتدته في هذا الكتاب من التوسط دون الإسهاب، وبالله استعين.
[المدرسة الناصرية]
بجوار الجامع العتيق من مدينة مصر من قبليه، هذه المدرسة عرفت أوّلا بالمدرسة الناصرية، ثم عرفت بابن زين التجار، وهو أبو العباس أحمد بن المظفر بن الحسين الدمشقيّ، المعروف بابن زين التجار، أحد أعيان الشافعية. درّس بهذه المدرسة مدّة طويلة، ومات في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، ثم عرفت بالمدرسة الشريفة، وهي إلى الآن تعرف بذلك، وكان موضعها يقال له الشرطة، وذكر الكنديّ أنها خطة قيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّ، وعرفت بدار الفلفل. وقال ابن عبد الحكم كانت فضاء قبل ذلك، وقيل كانت هي والدار التي إلى جانبها لنافع بن عبد الله بن قيس الفهريّ، فأخذها منه قيس بن سعد، وسمّيت دار الفلفل لأن أسامة بن زيد التنوخيّ صاحب الخراج بمصر، ابتاع من موسى بن وردان فلفلا بعشرين ألف دينار ليهديه إلى صاحب الروم، فخزّنه فيها، ولما فرغ عيسى بن يزيد الجلوديّ من بناء زيادة الجامع، بنى هذه الدار شرطة في سنة ثلاث عشرة ومائتين، ثم صارت سجنا تعرف بالمعونة، فهدمها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في أوّل المحرّم سنة ست وستين وخمسمائة، وأنشأها مدرسة برسم الفقهاء الشافعية، وكان حينئذ يتولى وزارة مصر للخليفة العاضد، وكان هذا من أعظم ما نزل بالدولة، وهي أوّل مدرسة عملت بديار مصر، ولما كملت وقف عليها الصاغة، وكانت بجوارها، وقد خربت وبقي منها شيء يسير قرأت عليها اسم الخليفة العزيز بالله، ووقف عليها أيضا قرية