المؤمنين الحاكم بأمر الله الناس بأن يقدوا القناديل في سائر البلد على جميع الحوانيت، وأبواب الدور، والمحال والسكك الشارعة. وغير الشارعة، ففعل ذلك، ولازم الحاكم بأمر الله الركوب في الليل، وكان ينزل كل ليلة إلى موضع موضع، وإلى شارع شارع، وإلى زقاق زقاق، وكان قد ألزم الناس بالوقيد، فتناظر وافية واستكثروا منه في الشوارع والأزقة وزينت القياسر والأسواق بأنواع الزينة، وصار الناس في القاهرة ومصر طول الليل في بيع وشراء، وأكثروا أيضا من وقود الشموع العظيمة، وأنفقوا في ذلك أموالا عظيمة جللة لأجل التلاهي، وتبسطوا في المآكل والمشارب وسماع الأغاني، ومنع الحاكم الرجال المشاة بين يديه من المشي بقربة، وزجرهم وانتهرهم وقال: لا تمنعوا أحدا مني، فأحدق الناس به وأكثروا من الدعاء له، وزينت الصاغة وخرج سائر الناس بالليل للتفرّج، وغلب النساء الرجال على الخروج بالليل، وعظم الازدحام في الشوارع والطرقات، وأظهر الناس اللهو والغناء وشرب المسكرات في الحوانيت وبالشوارع من أوّل المحرّم سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وكان معظم ذلك من ليلة الأربعاء تاسع عشرة إلى ليلة الاثنين رابع عشرية، فلما تزايد الأمر وشنع أمر الحاكم بأمر الله أن لا تخرج امرأة من العشاء، ومتى ظهرت امرأة بعد العشاء نكّل بها، ثم منع الناس من الجلوس في الحوانيت فامتنعوا، ولم يزل الحاكم على الركوب في الليل إلى آخر شهر رجب، ثم نودي في شهر رجب سنة خمس وتسعين وثلاثمائة أن لا يخرج أحد بعد عشاء الآخرة، ولا يظهر لبيع ولا شراء، فامتنع الناس.
وفي سنة خمس وأربعمائة تزايد في المحرّم منها وقوع النار في البلد وكثر الحريق في عدّة أماكن، فأمر الحاكم بأمر الله الناس باتخاذ القناديل على الحوانيت وأزيار الماء مملوءة ماء، وبطرح السقائف التي على أبواب الحوانيت، والرواشن التي تظلّ الباعة، فأزيل جميع ذلك من مصر والقاهرة.
[ذكر ظواهر القاهرة المعزية]
اعلم أن القاهرة المعزية يحصرها أربع جهات وهي: الجهة الشرقية، والجهة الغربية، والجهة الشمالية التي تسميها أهل مصر البحرية، والجهة الجنوبية التي تعرف في أرض مصر بالقبلية.
فأما الجهة الشرقية فإنها من سور القاهرة الذي فيه الآن باب البرقية والباب الجديد والباب المحروق، وتنتهي هذه الجهة إلى الجبل المقطم. وأما الجهة الغربية فإنها من سور القاهرة الذي فيه باب القنطرة وباب الخوخة وباب سعادة، وتنتهي هذه الجهة إلى شاطيء النيل. وأما الجهة القبلية فإنها من سور القاهرة الذي فيه باب زويلة، وتنتهي هذه الجهة إلى حدّ مدينة مصر. وأما الجهة البحرية فإنها من سور القاهرة الذي فيه باب النصر وباب الفتوح، وتنتهي هذه الجهة إلى بركة الجب التي تعرف اليوم ببركة الحاج، وقد كانت هذه