ثلاثة أفدنة في جانبه الغربيّ، وفدّان في جانبه البحريّ، فعمر الناس واستغنى عن الجسور ورخص على الناس حتى رغبوا في العمارة، وآجر كل مائة ذراع من ذلك بعشرة دراهم نقرة، وعمر البئر المشهورة ببئر السواقي، فعمرت أحسن عمارة، فلما توفي توفي الأفرم طمع الشجاعيّ في أرباب الوقف وفي ورثته، ونزع منهم الفدادين المطلة على بحر النيل، وابتاع ذلك من وكيل بيت المال، وأعانه عليه قوم آخرون يجتمعون عند الله تعالى.
[ذكر المعشوق]
اعلم أنّ المعشوق اسم لمكان فيه أشجار بظاهر مصر، من جملة خطة راشدة، عرف أوّلا بجنان كهمس بن معمر، ثم عرف بجنان المارداني، ثم عرف بجنان الأمير تميم بن المعز لدين الله، ثم جدّده الأفضل بن أمير الجيوش فعرف به، وأجرا صار من وقف ابن الصابونيّ، فأخذه الصاحب تاج الدين محمد بن حنا، وعمر به مناظر وأوصى بعمارة رباط للآثار النبوية، وأن توقف عليه. فلما أنشئ الرباط المذكور أرصد لمصالحه. وهو الآن وقف عليه، وأرض هذا البستان مما وقفه ابن الصابونيّ على بنيه وعلى رباطه المجاور، لقيه الإمام الشافعيّ رضي الله تعالى عنه بالقرافة، وبنو الصابونيّ يستأدون من المتحدّث على رباط الآثار شيئا في كل سنة عن حكر أرض بستان المعشوق. قال القضاعيّ في ذكر خطة راشدة: ومنها المقبرة المعروفة بمقبرة راشدة، والجنان المعروفة كانت تعرف بكهمس بن معمر، ثم عرفت بالماردانيّ، وهو المعروف الآن بالأمير تميم بن المعز.
هذا وقد بنى المعتمد على الله أحمد بن المتوكل في الجانب الشرقيّ من سرّ من رأى قصر أسماه المعشوق، وأقام به، وبين بغداد وتكريت منزلة فيها آثار بناء وقصور تسمى العاشق والمعشوق، وفيه أنشد الشريف زهرة بن عليّ بن زهرة بن الحسن الحسينيّ، وقد اجتاز به يريد الحج:
قد رأيت المعشوق وهو من الهج ... ر بحال تنبو النواظر عنه
أثّر الدهر فيه آثار سوء ... قد أدالت يد الحوادث منه
وقال ابن يونس: كهمس بن معمر بن محمد بن معمر بن حبيب، يكنّى أبا القاسم، كان أبوه بصريا، وولد هو بمصر، وكان عاقلا، وكانت القضاة تقبله، حدّث عن محمد بن رمح، وعيسى بن حماد زغبة، وسلمة بن شبيب ونحوهم، توفي في يوم الاثنين لأربع خلون من شهر ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة وثلاثمائة.
وقال ابن خلكان: تميم بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهديّ، كان أبوه صاحب الديار المصرية والمغرب، وهو الذي بنى القاهرة المعزية، وكان تميم فاضلا شاعرا ماهرا لطيفا ظريفا، ولم يل المملكة، لأنّ ولاية العهد كانت لأخيه العزيز، فوليها بعد أبيه،