متصلة، وعمارة حسنة بأبرجة حمام، ومواش وأنعام وأكثر ميرة مدينتهم منها، وطيورها النقيط والنوبي والببغاء، وغير ذلك من الطيور الحسان، وأكثر نزهة كيبرهم في هذه الناحية.
قال: وكنت معه في بعض الأوقات، فكان سيرنا في ظل شجر من الحافتين في الخلجان الضيقة، وقيل: إنّ التمساح لا يضرّ هناك، ورأيتهم يعبرون أكثر هذه الأنهار سباحة، ثم سفد بقل، وهي ناحية ضيقة شبيهة بأوّل بلادهم إلا أنّ فيها جزائر حسانا، وفيها دون المرحلتين نحو، ثلاثين قرية بالأبنية الحسان، والكنائس والأديار والنخل الكثير والكروم والبساتين والزرع، ومروج كبار فيها إبل وجمال صهب مؤبلة للنتاج، وكبيرهم يكثر الدخول إليها لأنّ طرفها القبليّ يحاذي دنقلة مدينتهم، ومن مدينة دنقلة دار المملكة إلى أسوان، خمسون مرحلة، وذكر صفتها، ثم قال: إنهم يسقفون مجالسهم بخشب السنط، وبخشب الساج الذي يأتي به النيل في وقت الزيادة سقالات منحوتة لا يدري من أين تأتي.
ولقد رأيت على بعضها علامة غريبة، ومسافة ما بين دنقلة إلى أوّل بلد علوة أكثر مما بينها وبين أسوان، وفي ذلك من القرى والضياع والجزائر والمواشي والنخل والشجر والمقل والزرع والكرم، أضعاف ما في الجانب الذي يلي أرض الإسلام، وفي هذه الأماكن جزائر عظام مسيرة أيام، فيها الجبال والوحش والسباع، ومفاوز يخاف فيها العطش، والنيل يعطف من هذه النواحي إلى مطلع الشمس، وإلى مغربها مسيرة أيام، حتى يصير المصعد كالمنحدر، وهي الناحية التي تبلغ العطوف من النيل إلى المعدن المعروف: بالشلة، وهو بلد يعرف بشنقير، ومنه خرج العمري، وتغلب على هذه الناحية إلى أن كان من أمره ما كان، وفرس البحر، يكثر في هذه المواضع، ومن هذه الموضع طرق إلى سواكن وباصع ودهلك وجزائر البحر، ومنها عبر من نجا من بني أمية عند هربهم إلى النوبة، وفيها خلق من البجة يعرفون بالرنافج انتقلوا إلى النوبة قديما وقطنوا هناك وهم على حدتهم في الرعي واللغة، لا يخالطون النوبة، ولا يسكنون قراهم، وعليهم وال من قبل النوبة.
[ذكر تشعب النيل من بلاد علوة ومن يسكن عليه من الأمم]
اعلم أنّ النوبة والمقرة جنسان بلسانين، كلاهما على النيل، فالنوبة هم: المريس المجاورون لأرض الإسلام، وبين أوّل بلدهم، وبين أسوان خمسة أميال، ويقال: إنّ سلها جدّ النوبة، ومقري جدّ المقرة من اليمن.
وقيل: النوبة ومقري من حمير، وأكثر أهل الأنساب على أنهم جميعا من ولد حام بن نوح، وكان بين النوبة والمقرة حروب قبل النصرانية، وأوّل أرض المقرة قرية تعرف بنافة على مرحلة من أسوان، ومدينة ملكهم، يقال لها: نجراش، على أقل من عشر مراحل من أسوان، ويقال: إن موسى صلوات الله عليه، غزاهم قبل مبعثه في أيام فرعون، فأخرب نافة، وكانوا صابئة يعبدون الكواكب، وينصبون التماثيل لهم، ثم تنصروا جميعا النوبة