وأوّل الجنادل من بلد النوبة قرية تعرف بتقوى، هي ساحل، وإليها تنتهي مراكب النوبة المصعدة من القصر أوّل بلدهم، ولا تتجاوزها المراكب، ولا يطلق لأحد من المسلمين، ولا من غيرهم الصعود منها إلا بإذن من صاحب جبلهم، ومنها إلى المقس الأعلى، ست مراحل، وهي جنادل كلها، وشرّ ناحية رأيتها لهم لصعوبتها، وضيقها ومشقة مسالكها، أما بحرها، فجنادل وجبال معترضة فيه، حتى إن النيل ينصب من شعاب ويضيق في مواضع، حتى يكون سعة ما بين الجانبين، خمسين ذراعا، وبرّها مجاوب ضيقة، وجبال شاهقة، وطرقات ضيقة، حتى لا يمكن الراكب أن يصعد منها، والراجل الضعيف يعجز عن سلوكها، ورمال في غربها وشرقها، وهذه الجبال حصنهم، وإليها يفزع أهل الناحية التي قبلها المتصلة بأرض الإسلام، وفي جزائرها نخل يسير وزرع حقير، وأكثر أكلهم السمك ويدّهنون بشحمه، وهي من أرض مريس، وصاحب الجبل واليهم، والمسلحة بالمقس الأعلى صاحبها من قبل كبيرهم شديد الضبط لها، حتى أنّ عظيمهم إذا صار بها وقف به المسلحي، وأوهم أنه يفتش عليه، حتى يجد الطريق إلى ولده ووزيره، فمن دونهما ولا يجوزها دينار ولا درهم إذ كانوا لا يتبايعون بذلك إلا دون الجنادل مع المسلمين، وما فوق ذلك لا بيع بينهم ولا شراء، وإنما هي معاوضة بالرقيق والمواشي والحبال والحديد والحبوب، ولا يطلق لأحد أن يجوزها إلا بإذن الملك، ومن خالف كان جزاؤه القتل كائنا من كان، وبهذا الاحتياط تنكتم أخبارهم حتى إنّ العسكر منهم يهجم على البلد إلى البادية وغيرهم، فلا يعلمون به، والسنباد الذي يخرط به الجوهر، يخرج من النيل في هذه المواضع، يغطس عليه فيوجد جسمه باردا مخالفا للحجارة فإذا أشكل عليه نفخ فيه بالفم فيعرق، ومن هذه المسلحة إلى قرية تعرف: بساي، جنادل أيضا، وهي آخر كرسيهم، ولهم فيها أسقف وفيها بربا.
ثم ناحية سقلودا وتفسيرها السبع ولاة، وهي أشبه الأرض بالأرض المتاخمة لأرض الإسلام في السعة والضيق في مواضع، والنخل والكرم والزرع وشجر المقل، وفيها شيء من شجر القطن، ويعمل منه ثياب وخشة، وبها شجر الزيتون، وواليها من قبل كبيرهم وتحت يده ولاة يتصرّفون، وفيها قلعة تعرف: بأصطنون، وهي أوّل الجنادل الثلاثة، وهي أشدّ الجنادل صعوبة لأنّ فيها جبلا معترضا من الشرق إلى الغرب في النيل، والماء ينصب من ثلاثة أبواب، وربما رجع إلى ما بين عند انحساره شديد الخرير عجيب المنظر يتحدّر الماء عليه من علو الجبل وقبليّة فرش حجارة في النيل نحو ثلاثة برد إلى قرية تعرف:
بيستو، وهي آخر قرى مريس، وأوّل بلد مقرة، ومن هذا الموضع إلى حدّ المسلمين لسانهم مريسي، وهي آخر عمل متملكهم، ثم ناحية بقون، وتفسيرها بالعجب، وهي عند اسمها لحسنها، وما رأيت على النيل أوسع منها، وقدّرت أن سعة النيل فيها من الشرق إلى الغرب مسيرة خمس مراحل، الجزائر تقطعه والأنهار منه تجري بينها على أرض منخفضة، وقرى