قال أبو الحسن عليّ بن رضوان الطبيب: ويلي الفسطاط في العظم، وكثرة الناس القاهرة، وهي في شمال الفسطاط، وفي شرقيها أيضا الجبل المقطم يعوق عنها ريح الصبا، والنيل منها أبعد قليلا، وجميعها مكشوف للهواء، وإن كان عمل فوق ربما عاق عن بعض ذلك، وليس ارتفاع الأبنية بها كارتفاع الفسطاط، لكن دونها كثيرا، وأزقتها وشوارعها بالقياس إلى أزقة الفسطاط، وشوارعها أنظف، وأقل وسخا، وأبعد عن العفن، وأكثر شرب أهلها من مياه الآبار، وإذا هبت ريح الجنوب أخذت من بخار الفسطاط على القاهرة شيئا كثيرا، وقرب مياه آبار القاهرة من وجه الأرض مع سخافتها موجب ضرورة أن تكون يصل إليها بالرشح من عفونة الكتف شيء ما، وبين القاهرة والفسطاط بطائح تمتلىء من رشح الأرض في أيام فيض النيل، ويصب فيها بعض خرّارات القاهرة، ومياه البطائح هذه رديئة وسخة أرضها، وما يصب فيها من العفونة يقتضي أن يكون البخار المرتفع منها على القاهرة، والفسطاط زائدا في رداءة الهواء بهما، ويطرح في جنوب القاهرة قذر كثير نحو حارة الباطلية، وكذلك يطرح في وسط حارة العبيد إلّا أنه إذا تأمّلنا حال القاهرة، كانت بالإضافة إلى الفسطاط أعدل وأجود هواء، وأصلح حالا، لأنّ أكثر عفوناتهم ترمى خارج المدينة والبخار ينحل منها أكثر، وكثير أيضا من أهل القاهرة يشرب من ماء النيل، وخاصة في أيام دخوله الخليج، وهذا الماء يستقى بعد مروره بالفسطاط، واختلاطه بعفوناتها.
قال: وقد اقتصر أمر الفسطاط والجيزة والجزيرة، فظاهر أن أصح أجزاء المدينة الكبرى: القرافة، ثم القاهرة، والشرف، وعمل فوق مع الحمراء والجيزة، وشمال القاهرة أصح من جميع هذه لبعده عن بخار الفسطاط، وقربه من الشمال، وأرقى موضع في المدينة الكبرى هو ما كان من الفسطاط حول الجامع العتيق إلى ما يلي النيل، والسواحل، وإلى جانب القاهرة من الشمال الخندق، وهو في غور فهو يتغير أبدا لهذا السبب، فأما المقس فمجاورته للنيل تجعله أرطب. وقال ابن سعيد في كتاب المعرب في حلي المغرب عن البيهقيّ: وأما مدينة القاهرة، فهي الحالية الباهرة التي تفنن فيها الفاطميون، وأبدعوا في بنائها، واتخذوها وطنا لخلافتهم، ومركزا لأرجائها، فنسي الفسطاط، وزهد فيه بعد الاغتباط.