ببولاق، ومن بولاق إلى منية الشيرج، ومنه في القبلة إلى منشأة المهرانيّ، وعمر ما خرج عن باب زويلة يمنة ويسرة من قنطرة الخرق إلى الخليج، ومن باب زويلة إلى المشهد النفيسيّ، وعمرت القرافة من باب القرافة إلى بركة الحبش طولا، ومن القرافة الكبرى إلى الجبل عرضا، حتى أنه استجدّ في أيام الناصر بن قلاون بضع وستون حكرا، ولم يبق مكان يحكر، واتصلت عمائر مصر والقاهرة، فصارا بلدا واحدا يشتمل على البساتين والمناظر والقصور، والدور والرباع، والقياسر، والأسواق، والفنادق، والخانات، والحمامات، والشوارع، والأزقة، والدروب، والخطط والحارات، والأحكار والمساجد، والجوامع، والزوايا والربط، والمشاهد والمدارس، والترب والحوانيت، والمطابخ والشون، والبرك والخلجان والجزائر والرياض، والمنتزهات متصلا جميع ذلك بعضه ببعض من مسجد تبر إلى بساتين الوزير قبليّ بركة الحبش، ومن شاطىء النيل بالجيزة إلى الجبل المقطم، وما زالت هذه الأماكن في كثرة العمارة، وزيادة العدد تضيق بأهلها لكثرتها، وتختال عجبا بهم لما بالغوا في تحسينها، وتأنقوا في جودتها، وتنميقها إلى أن حدث الفناء الكبير في سنة تسع وأربعين وسبعمائة، فخلا كثير من هذه المواضع، وبقي كثير أدركناه، فلما كانت الحوادث من سنة ست وثمانمائة، وقصر جري النيل في مدّة، وخربت البلاد الشامية بدخول الطاغية تيمور لنك، وتحريقها، وقتل أهلها وارتفاع أسعار الديار المصرية، وكثرة الغلاء فيها، وطول مدّته، وتلاف النقود المتعامل بها، وفسادها، وكثرة الحروب والفتن بين أهل الدولة، وخراب الصعيد، وجلاء أهله عنه، وتداعى أسفل أرض مصر من البلاد الشرقية والغربية إلى الخراب، واتضاع أمور ملوك مصر، وسوء حال الرعية، واستيلاء الفقر والحاجة والمسكنة على الناس، وكثرة تنوّع المظالم الحادثة من أرباب الدولة بمصادرة الجمهور، وتتبع أرباب الأموال، واحتجاب ما بأيديهم من المال بالقوّة والقهر والغلبة، وطرح البضائع مما يتجر فيه السلطان، وأصحابه على التجار والباعة بأغلى الأثمان إلى غير ذلك مما لا يتسع لأحد ضبطه، ولا تسع الأوراق حكايته، كثر الخراب بالأماكن التي تقدّم ذكرها، وعمّ سائرها، وصارت كيمانا، وخرائب موحشة مقفرة يأويها البوم والرخم أو مستهدمة واقعة، أو آئلة إلى السقوط والدثور، سنة الله التي قد خلت في عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلا.