للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي بالصحراء عند الجاروديّ، ثم جدّده الحاكم وزاد فيه وجعل له قبة، وذلك في سنة ثلاث وأربعمائة، وكان أمراء مصر إذا خرجوا إلى صلاة العيد بالمصلّى أوقفوا جيشا في سفح الجبل مما يلي بركة الحبش، ليراعي الناس حتى ينصرفوا من الصلاة، خوفا من البجة. فإنهم قدموا غير مرّة ركبانا على النجب حتى كبسوا الناس في مصلاهم وقتلوا ونهبوا ثم رجعوا من حيث أتوا، فخرج عبد الحميد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب غضبا لله وللمسلمين مما أصابهم من البجة، فكمن لهم بالصعيد في طريقهم حتى أقبلوا كعادتهم في أخذ الناس في مصلّى العيد، فكبسهم وقتل الأعور رئيسهم بعد ما أقبلوا إلى المصلّى في العيد، في سنة ست وخمسين ومائتين، وأميره مصر أحمد بن طولون على النجب، وكبسوا الناس في مصلّاهم وقتلوا ونهبوا منهم وعادوا سالمين، ثم دخل العمريّ إلى بلاد البجة غازيا، فقتل منهم مقتلة عظيمة وضايقهم في بلادهم إلى أن أعطوه الجزية، ولم يكونوا أعطوا أحدا قبله الجزية، وسار في المسلمين وأهل الذمّة سيرة حسنة، وسالم النوبة إلى أن بدأ النوبة بالغدر في الموضع المعروف بالمريس، فمال عليهم وحاربهم وخرّب ديارهم وسبى منهم عالما كثيرا، حتى كان الرجل من أصحابه يبتاع الحاجة من الزيات والبقال بنوبيّ أو نوبية لكثرتهم معهم، فجاؤا إلى أحمد بن طولون وشكوا له من العمريّ، فبعث إليه جيشا ليحاربه، فأوقع بالجيش وهزمهم، وكانت لهم أنباء وقصص إلى أن قتله غلامان من أصحابه وأحضرا رأسه إلى أحمد بن طولون، فأنكر فعلهما وضرب أعناقهما وغسل الرأس ودفنه.

[ذكر المساجد والمعابد التي بالجبل والصحراء]

وكان بجبل المقطم وبالصحراء التي تعرف اليوم بالقرافة الصغرى عدّة مساجد وعدّة مغاير، ينقطع العباد بها، ومنها ما قد دثر ومنه شيء قد بقي أثره.

مسجد التنور: هذا المسجد في أعلى جبل المقطم من وراء قلعة الجبل في شرقيها، أدركته عامرا وفيه من يقيم به. قال القضاعيّ: المسجد المعروف بالتنور بالجبل، هو موضع تنور فرعون، كان يوقد له عليه، فإذا رأوا النار عملوا بركوبه فاتخذوا له ما يريد، وكذلك إذا ركب منصرفا من عين شمس. ثم بناه أحمد بن طولون مسجدا في صفر سنة تسع وخمسين ومائتين، ووجدت في كتاب قديم أنّ يهودا بن يعقوب أخا يوسف عليه السلام، لما دخل مع إخوته على يوسف وجرى من أمر الصواع ما جرى، تأخر عن إخوته وأقام في ذروة الجبل المقطم في هذا المكان، وكان مقابلا لتنور فرعون الذي كان يوقد له فيه النار. ثم خلا ذلك الموضع إلى زمن أحمد بن طولون، فأخبر بفضل الموضع وبمقام يهودا فيه، فابتنى فيه هذا المسجد والمنارة التي فيه، وجعل فيه صهريجا فيه الماء، وجعل الإنفاق عليه مما وقفه على البيمارستان بمصر والعين التي بالمغافر وغير ذلك. ويقال أنّ تنور فرعون لم يزل في هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>