سنة أربعين وستمائة، ولم يزل البناء يتزايد إلى أن جدّد الحاج سيف الدين المقدّم عليه قبته في أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون، قبيل سنة ثمانين وسبعمائة، ثم جدّدت في أيام الناصر فرج بن الظاهر برقوق، على يد الشيخ أبي الخير محمد ابن الشيخ سليمان المادح، في محرّم سنة إحدى عشرة وثمانمائة. ثم جدّدت في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة على يد امرأة قدمت من دمشق في أيام المؤيد شيخ، عرفت بمرحبا بنت إبراهيم بن عبد الرحمن، أخت عبد الباسط. وكان لها معروف وبرّ، توفيت في تاسع عشري ذي القعدة سنة أربعين وثمانمائة، ويجتمع بهذ القبة في لية كلّ سبت جماعة من القرّاء، فيتلون القرآن الكريم تلاوة حسنة حتى يختسموا ختمة كاملة عند السحر، ويقصد المبيت عندهم للتبرّك بقراءة القرآن عدّة من الناس، ثم تفاحش الجمع، وأقبل النساء والأحداث والغوغاء، فصار أمرا منكرا، لا ينصتون لقراءة ولا يتعظون بمواعظ، بل يحدث منهم على القبور ما لا يجوز. ثم زادوا في التعدّي حتى حفروا ما هنالك خارج القبة من القبور، وبنوا مباني اتخذوها مراحيض وسقايات ماء، ويزعم من لا علم عنده أن هذه القراءة في كل ليلة سبت عند قبر الليث بزعمهم قديمة من عهد الإمام الشافعيّ، وليس ذلك بصحيح، وإنما حدثت بعد السبعمائة من سني الهجرة، بمنام ذكر بعضهم أنه رآه، وكانوا إذ ذاك يجتمعون للقراءة عند قبر أبي بكر الأدفويّ.
[ذكر المقابر خارج باب النصر]
اعلم أن المقابر التي هي الآن خارج باب النصر، إنما حدثت بعد سنة ثمانين وأربعمائة، وأوّل تربة بنيت هناك تربة أمير الجيوش بدر الجماليّ لما مات ودفن فيها، وكان خطها يعرف برأس الطابية، قال الشريف أمين الدولة أبو جعفر محمد بن هبة الله العلويّ الأفطسيّ، وقد مرّ بتربة الأفضل:
أجرى دما أجفانيه ... جدث برأس الطابيه
صدع الزمان صفاتيه ... ............ «١»
بال وما بليت أيا ... ديه عليّ الباقيه
ويخارج باب النصر في أوائل المقابر قبر زينب بنت أحمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر ابن الحنفية، يزار وتسميه العامّة مشهد الست زينب، ثم تتابع دفن الناس موتاهم في الجهة التي هي اليوم من بحري مصلّى الأموات إلى نحو الريدانية، وكان ما في شرقيّ هذه المقبرة إلى الجبل براحا واسعا يعرف بميدان القبق، وميدان العيد، والميدان الأسود، وهو ما بين قلعة الجبل إلى قبة النصر تحت الجبل الأحمر. فلما كان بعد سنة عشرين وسبعمائة،