ترك الملك الناصر محمد بن قلاون النزول إلى هذا الميدان وهجره، فأوّل من ابتدأ فيه بالعمارة الأمير شمس الدين قراسنقر، فاختط تربته التي تجاور اليوم تربة الصوفية، وبنى حوض ماء للسبيل، وجعل فوقه مسجدا، وهذا الحوض بجوار باب تربة الصوفية، أدركته عامرا هو وما فوقه، وقد تهدّم وبقيت منه بقية. ثم عمر بعده نظام الدين آدم أخو الأمير سيف الدين سلار، تجاه تربة قراسنقر مدفنا وحوض ماء للسبيل ومسجدا معلقا، وتتابع الأمراء والأجناد وسكان الحسينية في عمارة الترب هناك، حتى انسدّت طريق الميدان، وعمروا الجوّانية أيضا، وأخذ صوفية الخانقاه الصلاحية لسعيد السعداء قطعة قدر فدّانين، وأداروا عليها سورا من حجر، وجعلوها مقبرة لمن يموت منهم، وهي باقية إلى يومنا هذا، وقد وسعوا فيها بعد سنة تسعين وسبعمائة بقطعة من تربة قراسنقر، وما برح الناس يقصدون تربة الصوفية هذه لزيارة من فيها من الأموات، ويرغبون في الدفن بها، إلى أن تولى مشيخة الخانقاه الشيخ شمس الدين محمد البلاليّ، فسمح لكلّ أحد أن يقبر ميته بها على مال يأخذه منه، فقبر بها كثير من أعوان الظلمة، ومن لم يشكر طريقته، فصارت مجمع نسوان، ومجلس لعب.
وعمر أيضا بجوار تربة الصوفية الأمير مسعود بن خطير تربة، وعمل لها منارة من حجارة لا نظير لها في هيئتها، وهي باقية. وعمر أيضا مجد الدين السلاميّ تربة، وعمر الأمير سيف الدين كوكاي تربة، وعمر الأمير طاجاي الدوادار على رأس القبق مقابل قبة النصر تربة، وعمر الأمير سيف الدين طشتمر الساقي على الطريق تربة، وبنى الأمراء إلى جانبه عدّة ترب، وبنى الطواشي محسن البهاء تربة عظيمة، وبنت خوند طغاي تربة تجاه تربة طشتمر الساقي، وجعلت لها وقفا. وبنى الأمير طغاي تمر النجميّ الدوادار تربة، وجعلها خانقاه، وأنشأ بجوارها حمّاما وحوانيت، وأسكنها للصوفية والقرّاء، وبنى الأمير منكلي بغا الفخريّ تربة، والأمير طشتمر طلليه تربة، والأمير أرنان تربة، وبنى كثير من الأمراء وغيرهم الترب، حتى اتصلت العمارة من ميدان القبق إلى تربة الروضة خارج باب البرقية. وما مات الملك الناصر حتى بطل من الميدان السباق بالخيل، ومنعت طريقه من كثرة العمائر، وأدركت بعد سنة ثمانين وسبعمائة عدّة عواميد من رخام منصوبة يقال لها عواميد السباق، فيما بين قبة النصر وقريب من القلعة.
وأوّل من عمر في البراح الذي كان فيه عواميد السباق، الأمير يونس الدوادار، في أيام الملك الظاهر، تربته الموجودة هناك. ثم عمر الأمير فجماس ابن عمّ الملك الظاهر برقوق تربة بجانب تربة يونس، وأحيط على قطعة كبيرة حائط، وقبر فيها من مات من مماليك السلطان، وقبر فيها الشيخ علاء الدين السيراميّ شيخ الخانقاه. الظاهرية، والشيخ المعتقد طلحة، والشيخ المعتقد أبو بكر البجائي. فلما مرض الملك الظاهر برقوف أوصى أن يدفن تحت أرجل هؤلاء الفقراء. وأن يبنى على قبره تربة، فدفن حيث أوصى، وأخذت قطعة