وألذ ساعات الوصال إذا دنا ... وقت الرحيل وحان حين أوانه
فإذا حلّت الشمس آخر برج القوس وأوّل برج الجدي تناهى طول الليل وقصر النهار، وأخذ النهار في الزيادة والليل في النقصان، وانصرم فصل الخريف، وحلّ فصل الشتاء، واشتدّ البرد، وخشن الهواء، وتساقط ورق الشجر، ومات أكثر النبات، وغارت الحيوانات، في جوف الأرض وضعف قوى الأبدان وعري وجه الأرض من الزينة، ونشأت الغيوم وكثرت الأنداء، وأظلم الجوّ وكلح وجه الأرض إلا بمصر، وامتنع الناس من التصرّف، وصارت الدنيا كأنها عجوز هرمة قد دنا منها الموت. فإذا بلغت آخر برج الحوت وأوّل برج الحمل عاد الزمان كما كان عام أوّل وهذا دأبه ذلك تقدير العزيز العليم وتدبير الخبير الحكيم لا إله إلّا هو. وقد شبه بطليموس فصل الربيع بزمان الطفولية، وفصل الصيف بالشباب، والخريف بالكهولة، والشتاء بالشيخوخة، وعن حركة الشمس وتنقلها في البروج الاثني عشر المذكورة تكون أزمان السنة وأوقات اليوم من الليل والنهار وساعاتهما، وعن حركة القمر في البروج الاثني عشر تكون الشهور القمرية والسنة القمرية، فالقمر يدور البروج الاثني عشر ويقطع الفلك كله في مدّة ثمانية وعشرين يوما وبعض يوم، ويقيم في كل برج يومين وثلث يوم بالتقريب، ويقيم في كلّ منزلة من منازل القمر الثمانية والعشرين منزلة يوما وليلة، فيظهر عند إهلاله من ناحية الغرب بعد غروب جرم الشمس، ويزيد نوره في كل ليلة قدر نصف سبع حتى يكمل نوره، ويمتلئ في ليلة الرابع عشر من إهلاله، ثم يأخذ من الليلة الخامسة عشر في النقصان فينقص من نوره في كلّ ليلة نصف سبع كما بدا إلى أن يمحق نوره في آخر الثمانية وعشرين يوما من إهلاله ويمرّ في هذه المدّة منذ يفارق الشمس، ويبدو في ناحية الغرب، ويستمرّ إلى أن يجامعها بثمانية وعشرين منزلة وهي: السرطان «١» ، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعوّا، والسماك، والغفر، والزبانا، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدّم، والفرغ المؤخر، وبطن الحوت. ولحساب ذلك كتب موضوعة وفيما ذكر كفاية والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
[ذكر صورة الأرض وموضع الأقاليم منها]
ولما تقدّم في الأفلاك من القول ما يتبين به لمن ألهمه الله تعالى كيف تكون الحركة التي بها الليل والنهار، وتركب الشهور والأعوام منهما جاز حينئذ الكلام على الأرض.