للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الربيع هو الخريف فإذا حلت الشمس آخر برج الجوزاء، وأوّل برج السرطان تناهي طول النهار، وقصر الليل وابتدأ نقص النهار وزيادة الليل وانصرم فصل الربيع، ودخل فصل الصيف، واشتدّ الحرّ، وحمى الهواء، وهبت السمائم، ونقصت المياه إلا بمصر، ويبس العشب، واستحكم الحب، وأدرك حصاد الغلال، ونضجت الثمار، وسمنت البهائم، واشتدّت قوّة الأبدان، ودرت أخلاف النعم، وصارت الأرض كأنها عروس فإذا بلغت آخر برج السنبلة وأوّل برج الميزان تساوى الليل والنهار مرّة ثانية وأخذ الليل في الزيادة والنهار في النقصان وانصرم فصل الصيف ودخل فصل الخريف فبرد الهواء، وهبت الرياح، وتغير الزمان، وجفت الأنهار، وغارت العيون، واصفرّ ورق الشجر، وصرّمت الثمار، ودرست البيادر، واختزن الحبّ، واقتنى العشب، واغبرّ وجه الأرض إلا بمصر، وهزلت البهائم، وماتت الهوامّ، وانحجرت الحشرات، وانصرف الطير والوحش يريد البلاد الدافئة، وأخذ الناس يخزنون القوت للشتاء وصارت الدنيا كأنها امرأة كهلة قد أدبرت وأخذ شبابها يولي ولله درّ القائل وهو الإمام عز الدين أبو الحسن أحمد بن عليّ ابن معقل الأزديّ المهلبيّ الحمصيّ حيث يقول:

لله فصل الخريف المستلذ به ... برد الهواء لقد أبدى لنا عجبا

أهدى إلى الأرض من أوراقه ذهبا ... والأرض من شأنها أن تهدي الذهبا

وقال أيضا:

لله فصل الخريف فصلا ... رقت حواشيه فهو رائق

فالماء يجري بقلب سال ... والدمع يبدو بوجه عاشق

فبرد هذا ولون هذا ... يلذه ذائق ووامق

وقال أيضا:

أتى فصل الخريف بكل طيب ... وحسن معجب قلبا وعينا

أرانا الدوح مصفرّا نضارا ... وصافي الماء مبيضا لجينا

فأحسن كلّ إحسان إلينا ... وأنعم كلّ إنعام علينا

وقال آخر يذم الخريف:

خذ في التدثر في الخريف فإنه ... مستو بل ونسيمه خطاف

يجري مع الأجسام جري حياتها ... كصديقا ومن الصديق يخاف

وقال آخر:

يا عائبا فصل الخريف وغائبا ... عن فضله في ذمه لزمانه

لا شيء ألطف منه عندي موقعا ... أبدا يعرّي الغصن من قمصانه

<<  <  ج: ص:  >  >>