قدمت عليه بذلك، فرحل حينئذ إلى مهنا أمير العرب واستجار به، فأكرمه وبعث إلى السلطان يشفع فيه، فلم يجد السلطان بدّا من قبول شفاعة مهنا، وخيّر قراسنقر فيما يريد، ثم أخرج عسكرا من مصر والشام لقتال مهنا، وأخذ قراسنقر فبلغه ذلك فاحترس على نفسه وكتب إلى السلطان يسأله في صرخد، وقصد بذلك المطاولة، فأجابه إلى ذلك ومكنه من أخذ حواصله التي بحلب، وأعطى مملوكه ألف دينار، فلما قدم عليه لم يطمئن وعبر إلى بلاد الشرق في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، في عدّة من الأمراء يريد خربندا، فلما وصل إلى الرحبة بعث بابنه فرج ومعه شيء من أثقاله وخيوله وأمواله إلى السلطان بمصر، ليعتذر من قصده خربندا، ورحل بمن معه إلى ماردين فتلقاه المغل، وقام له نوّاب خربندا بالإقامات إلى أن قرب الأردوا، فركب خربندا إليه وتلقاه وأكرمه ومن معه وأنزلهم منزلا يليق بهم، وأعطى قراسنقر المراغة من عمل أذربيجان، وأعطى الأمير جمال الدين أقوش الأفرم همدان، وذلك في أوائل سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، فلم يزل هناك إلى أن مات خربندا وقام من بعده أبو سعيد بركة بن خربندا، فشق ذلك على السلطان وأعمل الحيلة في قتل قراسنقر والأفرم وسير إليهما الفداوية، فجرت بينهم خطوب كثيرة، ومات قراسنقر بالإسهال ببلد المراغة في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، يوم السبت سابع عشري شوّال، قبل موت السلطان بيسير، فلما بلغ السلطان موته في حادي عشر ذي القعدة عند ورود الخبر إليه قال:
ما كنت أشتهي يموت إلّا من تحت سيفي، وأكون قد قدرت عليه وبلغت مقصودي منه، وذلك أنه كان قد جهز إليه عددا كثيرا من الفداوية، قتل منهم بسببه مائة وعشرون فداويا بالسيف، سوى من فقد ولم يوقف له على خير، وكان قراسنقر جسيما جليلا صاحب رأي وتدبير ومعرفة، وبشاشة وجه، وسماحة نفس، وكرم زائد، بحيث لا يستكثر على أحد شيئا مع حسن الشاكلة وعظم المهابة والسعادة الطائلة، وبلغت عدّة مماليكه ستمائة مملوك، ما منهم إلا من له نعمة ظاهرة وسعادة وافرة، وله من الآثار بالقاهرة هذه المدرسة ودار جليلة بحارة بهاء الدين فيها كان سكنه.
[المدرسة الغزنوية]
هذه المدرسة برأس الموضع المعروف بسويقة أمير الجيوش تجاه المدرسة اليازكوجية، بناها الأمير حسام الدين قايماز النجميّ، مملوك نجم الدين أيوب، والد الملوك، وأقام بها الشيخ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن يوسف بن عليّ بن محمد الغزنويّ البغداديّ المقرئ الفقيه الحنفيّ، ودرس بها فعرفت به، وكان إماما في الفقه وسمع على الحافظ السلفيّ وغيره، وقرأ بنفسه وسكن مصر آخر عمره، وكان فاضلا حسن الطريقة متدينا، وحدّث بالقاهرة بكتاب الجامع لعبد الرزاق بن همام، فرواه عنه جماعة، وجمع كتابا في الشيب والعمر، وقرأ عليه أبو الحسن السخاويّ، وأبو عمرو بن الحاجب، ومولده ببغداد في ربيع الأوّل سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وتوفي بالقاهرة يوم الاثنين