قد تقدّم «١» في أخبار الكنائس والديارات من هذا الكتاب خبر دير البعل، وأنه يعرف بدير الفطير، ولما كان في سنة خمس وسبعين وستمائة خرج جماعة من المسلمين إلى دير البعل فرأوا آثار محاريب بجوار الدير فعرّفوا الصاحب بهاء الدين بن حنا ذلك، فسير المهندسين لكشف ما ذكر، فعادوا إليه وأخبروه أنه آثار مسجد، فشاور الملك الظاهر بيبرس وعمره مسجدا بجانب الدير، وهو عامر إلى الآن، وبتّ به وهو من أحسن مشترقات مصر، وله وقف جيد ومرتب يقوم به نصارى الدير.
[مسجد ابن الجباس]
هذا المسجد خارج باب زويلة بالقرب من مصلّى الأموات دون باب اليانسية، عرف بالشيخ أبي عبد الله محمد بن عليّ بن أحمد بن محمد بن جوشن المعروف بابن الجباس بجيم وباء موحدة بعدها ألف وسين مهملة- القرشيّ العقيليّ الفقيه الشافعيّ المقرئ، كان فاضلا صالحا زاهدا عابدا مقرئا، كتب بخطه كثيرا وسمع الحديث النبويّ، ومولده يوم السبت سابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وستمائة بالقاهرة، ووفاته ... «٢»
[مسجد ابن البناء]
هذا المسجد داخل باب زويلة، وتسميه العوامّ سام بن نوح النبيّ عليه السّلام، وهو من مختلفاتهم التي لا أصل لها، وإنما يعرف بمسجد ابن البناء، وسام بن نوح لعله لم يدخل أرض مصر البتة، فإن الله سبحانه وتعالى لما نجّى نبيه نوحا من الطوفان خرج معه من السفينة أولاده الثلاثة، وهم سام وحام ويافث، ومن هذه الثلاثة ذرأ الله سائر بني آدم كما قال تعالى: وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ
[الصافات/ ٧٧] فقسم نوح الأرض بين أولاده الثلاثة، فصار لسام بن نوح العراق وفارس إلى الهند ثم إلى حضر موت وعمان والبحرين وعالج ويبرين والدوووبار والدهناء وسائر أرض اليمن والحجاز، ومن نسله الفرس والسريانيون والعبرانيون والعرب والنبط والعماليق. وصار لحام بن نوح الجنوب مما يلي أرض مصر مغرّبا إلى المغرب الأقصى، ومن نسله الحبشة والزنج والقبط سكان مصر وأهل النوبة والأفارقة أهل إفريقية وأجناس البربر، وصار ليافث بن نوح بحر الخرز مشرّقا إلى الصين، ومن نسله الصقالبة والفرنج والروم والغوط وأهل الصين واليونانيون والترك.