اعلم أنه لما كانت مصر قطعة من الأرض تعيّن قبل التعريف بموقعها من الأرض وتبيين موضع الأرض من الفلك أن أذكر طرفا من هيئة الأفلاك، ثم أذكر صورة الأرض وموضع الأقاليم منها، وأذكر محل مصر من الأرض، وموضعها من الأقاليم وأذكر حدودها واشتقاقها وفضائلها وعجائبها وكنوزها وأخلاق أهلها، وأذكر نيلها وخلجانها وكورها ومبلغ خراجها، وغير ذلك ممّا يتعلق بها قبل الشروع في ذكر خطط مصر والقاهرة فأقول: علم النجوم ثلاثة أقسام: (الأوّل) : معرفة تركيب الأفلاك، وكمية الكواكب، وأقسام البروج، وأبعادها وعظمها وحركتها ويقال لهذا القسم: علم الهيئة. (والقسم الثاني) : علم الزيج، وعلم التقويم. (والقسم الثالث) : معرفة كيفية الاستدلال بدوران الفلك وطوالع البروج على الحوادث قبل كونها ويسمى هذا القسم علم الأحكام، والغرض هنا إيراد نبذ من علم الهيئة تكون توطئة لما يأتي ذكره. اعلم أن الكواكب أجسام كريات والذي أدرك منها الحكماء بالرصد ألف كوكب وتسعة وعشرون كوكبا، وهي على قسمين: سيارة، وثابتة. فالسيارة سبعة وهي: زحل، والمشتري، والمرّيخ، والشمس، والزهرة، وعطارد، والقمر، وقد نظمت في بيت واحد وهو:
زحل شرى مرّيخه من شمسه ... فتزاهرت بعطارد الأقمار
ويقال لهذه السبعة: الخنّس، وقيل: إنها التي عناها الله تعالى بقوله: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ
[التكوير/ ١٥] والتي عناها الله تعالى بقوله: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً
[النازعات/ ٥] ، وقيل لها: الخنس لاستقامتها في سيرها ورجوعها، وقيل لها: الكنس لأنها تجري في البروج ثم تكنس أي تستتر كما يكنس الظبي، وقيل: الكنس والخنس منها خمسة وهي: ما سوى الشمس والقمر سميت بذلك من الانحناس وهو الانقباض، وفي الحديث:
«الشيطان يوسوس للعبد فإذا ذكر الله خنس» أي انقبض ورجع فيكون الخنس على هذا في الكواكب بمعنى الرجوع وسميت بالكنس من قولهم: كنس الظبي إذا دخل الكناس وهو مقرّة فالكنس على هذا في الكواكب بمعنى اختفائها تحت ضوء الشمس ويقال لهذه الكواكب المتحيرة لأنها ترجع أحيانا عن سمت مسيرها بالحركة الشرقية وتتبع الغربية في رأي العين فيكون هذا الارتداد لها شبه التحير، وهذه الأسماء التي لهذه الكواكب يقال: إنها مشتقة من صفاتها.