هذه المدرسة كانت من دور الخلفاء الفاطميين، بنتها أمّ الخليفة العزيز بالله بن المعز، وعرفت بمنازل العز، وكانت تشرف على النيل، وصارت معدّة لنزهة الخلفاء، وممن سكنها ناصر الدولة حسين بن حمدان إلى أن قتل، وكان بجانبها حمّام يعرف بحمّام الذهب من جملة حقوقها، وهي باقية. فلما زالت الدولة الفاطمية على يد السلطان صلاح الدين يوسف، أنزل في منازل العز الملك المظفر تقيّ الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب فسكنها مدّة، ثم إنه اشتراها والحمّام والإصطبل المجاور لها من بيت المال في شهر شعبان سنة ست وستين وخمسمائة، وأنشأ فندقين بمصر بخط الملاحين، وأنشأ ربعا بجوار أحد الفندقين، واشترى جزيرة مصر التي تعرف اليوم بالروضة، فلما أراد أن يخرج من مصر إلى الشام وقف منازل العز على فقهاء الشافعية، ووقف عليها الحمّام وما حولها، وعمر الاصطبل فندقا عرف بفندق النخلة ووقفه عليها، ووقف عليها الروضة، ودرّس بها شهاب الدين الطوسيّ وقاضي القضاة عماد الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العليّ السكريّ، وعدّة من الأعيان. وهي الآن عامرة بعمارة ما حولها.
الملك المظفر تقيّ الدين أبو سعيد عمر بن نور الدولة شاهنشاه بن نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان، وهو ابن أخي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، قدم إلى القاهرة في ... «١» واستنابه السلطان على دمشق في المحرّم سنة إحدى وسبعين، ثم نقله إلى نيابة حماه، وسلّم إليه سنجار لما أخذها في ثاني رمضان سنة ثمان وسبعين، فأقام بها ولحق السلطان على حلب فقدم عليه في سابع صفر سنة تسع وسبعين، فأقام إلى أن بعثه إلى القاهرة نائبا عنه بديار مصر عوضا عن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، فقدمها في شهر رمضان سنة تسع وسبعين، وأنعم عليه بالفيوم وأعمالها مع القايات وبوش، وأبقى عليه مدينة حماه. ثم خرج بعساكر مصر إلى السلطان وهو بدمشق في سنة ثمانين لاجل أخذ الكرك من الفرنج، فسار إليها وحصرها مدّة ثم رجع مع السلطان إلى دمشق، وعاد إلى القاهرة في شعبان وقد أقام السلطان على مملكة مصر ابنه الملك العزيز عثمان، وجعل الملك المظفر كافلا له وقائما بتدبير دولته، فلم يزل على ذلك إلى جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين، فصرف السلطان أخاه الملك العادل عن حلب وأعطاه نيابة مصر، فغضب الملك المظفر وعبر بأصحابه إلى الجيزة يريد المسير إلى بلاد المغرب واللحاق بغلامه بهاء الدين قراقوش التقويّ، فبلغ السلطان ذلك فكتب إليه ولم يزل به حتى زال ما به، وسار إلى السلطان فقدم عليه دمشق في ثالث عشري شعبان، فأقرّه على حماه والمعرّة ومنبج، وأضاف إليه ميافارقين، فلحق به أصحابه ما خلا مملوكه زين الدين بوزيا، فإنه سار إلى