هذا الجامع كان موضعه بستانا بجوار غيظ العدّة، أنشأه الأمير حسين بن أبي بكر بن إسماعيل بن حيدر بك مشرف الروميّ، قدم مع أبيه من بلاد الروم إلى ديار مصر في سنة خمس وسبعين وستمائة، وتخصص بالأمير حسام الدين لاجين المنصوريّ، قبل سلطنته، فكانت له منه مكانة مكينة، وصار أمير شكار، وكان فيه برّ وله صدقة وعنده تفقد لأصحابه، وأنشأ أيضا القنطرة المعروفة بقنطرة الأمير حسين على خليج القاهرة، وفتح الخوخة في سور القاهرة بجوار الوزيرية، وجرى عليه من أجل فتحها ما قد ذكر عند ذكرها في الخوخ من هذا الكاتب، وتوفي في سابع المحرّم سنة تسع وعشرين وسبعمائة، ودفن بهذا الجامع.
[جامع الماس]
هذا الجامع بالشارع خارج باب زويلة، بناه الأمير سيف الدين الماس الحاجب، وكمل في سنة ثلاثين وسبعمائة، وكان الماس هذا أحد مماليك السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون، فرقاه إلى أن صار من أكبر الأمراء، ولما أخرج الأمير أرغون إلى نيابة حلب وبقي منصب النيابة شاغرا عظمت منزلة الماس، وصار في منزلة النيابة، إلّا أنه لم يسمّ بالنائب، ويركب الأمراء الأكابر والأصاغر في خدمته، ويجلس في باب القلة من قلعة الجبل في منزلة النائب، والحجاب وقوف بين يديه، وما برح على ذلك حتى توجه السلطان إلى الحجاز في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، فتركه في القلعة هو والأمير جمال الدين أقوش نائب الكرك، والأمير أقبغا عبد الواحد، والأمير طشتمر حمص أخضر، هؤلاء الأربعة لا غير، وبقية الأمراء إما معله في الحجاز، وإما في إقطاعاتهم، وأمرهم أن لا يدخلوا القاهرة حتى يحضر من الحجاز، فلما قدم من الحجاز نقم عليه وأمسكه في صفر سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وكان لغضب السلطان عليه أسباب منها، أنه لما أقام في غيبة السلطان بالقلعة كان يراسل الأمير جمال الدين أقوش نائب الكرك ويوادده، وبدت منه في مدّة الغيبة أمور فاحشة من معاشرة الشباب ومن كلام في حق السلطان، فوشى به أقبغا، وكان مع ذلك قد كثر ماله وزادت سعادته، فهوى شابا من أبناء الحسينية يعرف بعمير، وكان ينزل إليه ويجمع الاويراتية ويحضر الشباب ويشرب، فحرّك ذلك عليه ما كان ساكنا. ويقال أن السلطان لما مات الأمير بكتمر الساقي وجد في تركته جزدان فيه جواب الماس إلى بكتمر الساقي، انني حافظ القلعة إلى أن يرد عليّ منك ما أعتمده. فلما وقف السلطان على ذلك أمر النشو بن هلال الدولة وشاهد الخزانة بإيقاع الحوطة على موجوده، فوجدا له ستمائة ألف درهم فضة، ومائة ألف درهم فلوسا، وأربعة آلاف دينار ذهبا، وثلاثين حياصة ذهبا كاملة بكفتياتها وخلعها، وجواهر وتحفا، وأقام الماس عند أقبغا عبد الوحد ثلاثة أيام، وقتل خنقا