وهذا أعزك الله من خبرهم لما كان الملك فيهم، فلما استولت العماليق على ملك مصر وملكتها الفراعنة، ثم تداولتها من بعدهم أجناس أخر، تناقصت علوم القبط شيئا بعد شيء إلى أن تنصروا، فغادروا عوائد أهل الشرك، واتبعوا ما أمروا به من دين النصرانية، كما ستقف عليه تلو هذا إن شاء الله تعالى.
[ذكر دخول قبط مصر في دين النصرانية]
اعلم أن النصارى اتباع عيسى نبيّ الله ابن مريم عليه السلام، سموا نصارى، لأنهم ينتسبون إلى قرية الناصرة من جبل الجليل، بالجيم، ويعرف هذا الجبل بجبل كنعان، وهو الآن في زمننا من جملة معاملة صفد، والأصل في تسميتهم نصارى: أنّ عيسى ابن مريم عليه السلام لما ولدته أمّه مريم ابنة عمران ببيت لحم خارج مدينة بيت المقدس، ثم سارت به إلى أرض مصر وسكنتها زمانا، ثم عادت به إلى أرض بني إسرائيل قومها، نزلت قرية الناصرة، فنشأ عيسى بها وقيل له يسوع الناصريّ، فلما بعثه الله تعالى رسولا إلى بني إسرائيل، وكان من شأنه ما ستراه، إلى أن رفعه الله إليه، تفرّق الحواريون، وهم الذين آمنوا به، في أقطار الأرض يدعون الناس إلى دينه، فنسبوا إلى ما نسب إليه نبيهم عيسى ابن مريم، وقيل لهم الناصرية، ثم تلاعب العرب بهذه الكلمة وقالوا نصارى.
قال ابن سيده: ونصرى وناصرة ونصورية: قرية بالشام، والنصارى منسوبون إليها، هذا قول أهل اللغة، وهو ضعيف. إلّا أن نادر النسب يسيغه، وأما سيبويه فقال: أما النصارى فذهب الخليل إلى أنه جمع نصري ونصران، كما قالوا ندمان وندامى ولكنهم حذفوا إحدى اليائين كما حذفوا من أثقية وأبدلوا مكانها ألفا. قال: وأما الذي نوجهه نحن عليه فإنه جاء على نصران، لأنه قد تكلم به، فكأنك جمعت وقلت نصارى كما قلت ندامى، فهذا أقيس، والأوّل مذهب، وإنما كان أقيس لأنا لم نسمعهم قالوا نصرى، والتنصر الدخول في دين النصرانية، ونصره جعله كذلك، والأنصر الأقلف، وهو من ذلك، لأنّ النصارى قلف، وفي شرح الإنجيل أن معنى قرية ناصرة الجديدة، والنصرانية التجدّد، والنصرانيّ المجدّد، وقيل نسبوا إلى نصران، وهو من أبنية المبالغة، ومعناه أن هذا الدين في غير عصابة صاحبه، فهو دين من ينصره من أتباعه. وإذا تقرّر هذا فاعلم «أنّ المسيح روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم»«١»(عيسى) وأصل اسمه بالعبرانية التي هي لغة أمّه وآبائها إنما هو ياشوع، وسمته النصارى يسوع، وسماه الله تعالى وهو أصدق القائلين عيسى، ومعنى يسوع في اللغة السريانية المخلّص، قاله في شرح الإنجيل، ونعته بالمسيح، وهو الصدّيق، وقيل لأنه كان لا يمسح بيده صاحب عاهة إلّا برأ، وقيل لأنه كان يمسح رؤوس اليتامى، وقيل