لأنه خرج من بطن أمّه ممسوحا بالدهن، وقيل لأن جبريل عليه السلام مسحه بجناحه عند ولادته صونا له من مس الشيطان، وقيل المسيح اسم مشتق من المسح، أي الدهن، لأنّ روح القدس قام بجسد عيسى مقام الدهن الذي كان عند بني إسرائيل يمسح به الملك، ويمسح به الكهنوت، وقيل لأنه مسح بالبركة، وقيل لأنه أمسح الرجلين، ليس لرجليه أخمص، وقيل لأنه يمسح الأرض بسياحته، لا يستوطن مكانا، وقيل هي كلمة عبرانية أصلها ماسيح، فتلاعبت بها العرب وقالت مسيح.
وكان من خبره عليه السلام أن مريم ابنة عمران بينما هي في محرابها إذ بشرها الله تعالى بعيسى، فخرجت من بيت المقدس وقد اغتسلت من المحيض فتمثل لها الملك بشرا في صورة يوسف بن يعقوب النجار أحد خدّام القدس، فنفخ في جيبها فسرت النفخة إلى جوفها فحملت بعيسى كما تحمل النساء، بغير ذكر، بل حلت نفخة الملك منها محل اللقاح، ثم وضعت بعد تسعة أشهر وقيل بل وضعت في يوم حملها بقرية بيت لحم من عمل مدينة القدس في يوم الأربعاء خامس عشري كانون الأوّل، وتاسع عشري كيهك سنة تسع عشرة وثلاثمائة للإسكندر، فقدمت رسل ملك فارس في طلبه ومعهم هدية لها فيها ذهب ومرّ ولبان، فطلبه هيرودس ملك اليهود بالقدس ليقتله، وقد أنذر به، فسارت أمه مريم به وعمره سنتان على حمار ومعها يوسف النجار حتى قدموا إلى أرض مصر فسكنوها مدّة أربع سنين، ثم عادوا، وعمر عيسى ست سنين، فنزلت به مريم قرية الناصرة من جبل الجليل فاستوطنتها فنشأ بها عيسى حتى بلغ ثلاثين سنة، فسار هو وابن خالته يحيى بن زكريا عليهما السلام إلى نهر الأردن، فاغتسل عيسى فيه فحلت عليه النبوّة، فمضى إلى البرّية وأقام بها أربعين يوما لا يتناول طعاما ولا شرابا فأوحى الله إليه بأن يدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله تعالى، فطاف القرى ودعا الناس إلى الله تعالى، وأبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله، وبكّت «١» اليهود وأمرهم بالزهد في الدنيا والتوبة من المعاصي، فآمن به الحواريون وكانوا قوما صيادين وقيل قصارين وقيل ملاحين وعددهم اثنا عشر رجلا وصدقوا بالإنجيل الذي أنزله الله تعالى عليه، وكذّبه عامّة اليهود وضللوه واتهموه بما هو بريء منه، فكانت له ولهم عدّة مناظرات آلت بهم إلى أن اتفق أحبارهم على قتله، وطرقوه ليلة الجمعة، فقيل أنه رفع عند ذلك، وقيل بل أخذوه وأتوا به إلى بلاطس النبطيّ «٢» شحنة القدس من قبل الملك طيباريوس قيصر، وراودوه على قتله وهو يدفعهم عنه حتى غلبوه على رأيه، بأن دينهم اقتضى قتله، فأمكنهم منه، وعندما أدنوه من الخشبة ليصلبوه رفعه الله إليه، وذلك في الساعة السادسة من يوم الجمعة خامس عشر شهر نيسن، وتاسع عشري شهر برمهات، وخامس عشر شهر آذار، وسابع عشر شهر ذي القعدة، وله من العمر ثلاث