[الأعراف/ ١٣٧] يعني أرض مصر أورثناها بني إسرائيل لأنهم هم المستضعفون الذين كانوا فيها بدليل قوله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ
[القصص/ ٥] . قال جامعه ومؤلفه رحمه الله تعالى: أخبرني داود بن رزق بن عبد الله وكانت له سياحات كثيرة بأرض مصر أنه عبر إلى واد بالقرب من القلمون بالوجه القبلي فرأى فيه مقاتات كثيرة ما بين بطيخ وقثاء وتفاح وكلها حجارة وكان قد أخبرني قديما بعض الأعيان أنه شاهد في سفره إلى البلاد من أرض مصر بطيخا كثيرا كله حجارة وكذلك البطيخ من الصنف الذي يقال له العبدلي.
[ذكر أخلاق أهل مصر وطبائعهم وأمزجتهم]
قال أبو الحسن عليّ بن رضوان «١» الطبيب: مصر، اسم فيما نقلت الرواة يدل على أحد أولاد نوح النبي عليه السلام، فإنهم ذكروا أنّ مصر هذا نزل بهذه الأرض فانسل فيها، وعمرها فسميت باسمه، والذي يدل عليه هذا الاسم اليوم هو الأرض التي يفيض عليها النيل، ويحيط بها حدود أربعة؛ وهي: أنّ الشمس تشرق على أقصى العمارة بالشرق قبل أن تغيب عن آخر العمارة بالغرب بثلاث ساعات، وثلثي ساعة. فيجب من ذلك أن تكون هذه الأرض في النصف الغربيّ من الربع العامر، والنصف الغربيّ من الربع العامر على ما قال أبقراط، وبطليموس: أقل حرارة وأكثر رطوبة من النصف الشرقيّ. لأنه قسم كوكب القمر، والنصف الشرقيّ في قسم كوكب الشمس، وذلك أن الشمس تشرق على النصف الشرقيّ قبل شروقها على النصف الغربيّ، والقمر يهل على النصف الغربيّ قبل النصف الشرقيّ.
وقد زعم قوم من القدماء أنّ أرض مصر في وسط الربع من المعمور من الأرض بالطبع، فأما بالقياس فعلى ما ذكرنا من أنها في النصف الغربيّ، والحدّ الثالث هو أن أوّل بعد هذه الأرض عن خط الاستواء في جهة الجنوب أسوان وبعدها عن خط الاستواء اثنان وعشرون درجة ونصف، فالشمس تسامت رؤوس أهلها مرّتين في السنة عند كونها في آخر الجوزاء، أو في أوّل السرطان، وفي هذين الوقتين لا يكون للقائم بأسوان نصف النهار ظل أصلا، فالحرارة واليبس والإحراق غالب على مزاجها لأنّ الشمس تنشف رطوبتها، ولذلك صارت ألوانهم سودا وشعورهم جعدة لاحتراق أرضهم.