الخراب في المحنة زمن المستنصر، أمر الوزير الناصر للدين عبد الرحمن البازوريّ ببناء حائط يستر الخراب إذا توجه الخليفة إلى مصر، فيما بين العسكر والقطائع وبين الطريق، وأمر فبنى حائط آخر عند جامع ابن طولون. فلما كان في خلافة الآمر بأحكام الله أبي عليّ منصور بن المستعلي بالله، أمر وزيره أبو عبد الله محمد بن فاتك المنعوت بالمأمون البطائحيّ، فنودي مدّة ثلاثة أيام في القاهرة ومصر، بأن من كان له دار في الخراب أو مكان يعمره، ومن عجز عن عمارته يبيعه أو يؤجره، من غير نقل شيء من أنقاضه، ومن تأخر بعد ذلك فلا حق له ولا حكر يلزمه، وأباح تعمير جميع ذلك بغير طلب حق، فعمر الناس ما كان منه مما يلي القاهرة، من حيث مشهد السيدة نفيسة إلى ظاهر باب زويلة، ونقلت أنقاض العسكر، فصار الفضاء الذي يوصل إليه من مشهد السيدة نفيسة، ومن الجامع الطولونيّ، ومن قنطرة السدّ، ويسلك فيه إلى حيث كوم الجارح. والعامر الآن من العسكر جبل يشكر الذي فيه جامع ابن طولون وما حوله إلى قناطر السباع. كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.
[جامع ابن طولون]
هذا الجامع موضعه يعرف بجبل يشكر. قال ابن عبد الظاهر: وهو مكان مشهور بإجابة الدعاء، وقيل أنّ موسى عليه السّلام ناجى ربه عليه بكلمات. وابتدأ في بناء هذا الجامع الأمير أبو العباس أحمد بن طولون بعد بناء القطائع، في سنة ثلاث وستين ومائتين.
قال جامع السيرة الطولونية: كان أحمد بن طولون يصلّى الجمعة في المسجد القديم الملاصق للشرطة، فلما ضاق عليه بنى الجامع الجديد، مما أفاء الله عليه من المال الذي وجده فوق الجبل في الموضع المعروف بتنور فرعون، ومنه بنى العين. فلما أراد بناء الجامع قدّر له ثلاثمائة عمود، فقيل له: ما تجدها، أو تنفذ إلى الكنائس في الأرياف والضياع الخراب، فتحمل ذلك، فأنكر ذلك ولم يختره، وتعذب قلبه بالفكر في أمره، وبلغ النصرانيّ الذي تولى له بناء العين، وكان قد غضب عليه وضربه ورماه في المطبق الخبر.
فكتب إليه يقول: أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عمد إلّا عمودي القبلة، فأحضره وقد طال شعره حتى نزل على وجهه، فقال له: ويحك ما تقول في بناء الجامع؟ فقال: أنا أصوّره للأمير حتى يراه عيانا بلا عمد إلّا عمودي القبلة. فأمر بأن تحضر له الجلود، فأحضرت، وصوّره له فأعجبه واستحسنه، وأطلقه وخلع عليه، وأطلق له للنفقة عليه مأئة ألف دينار. فقال له: أنفق، وما احتجت إليه بعد ذلك أطلقناه لك. فوضع النصرانيّ يده في البناء في الموضع الذي هو فيه، وهو جبل يشكر، فكان ينشر منه ويعمل الجيرو يبني إلى أن فرغ من جميعه، وبيّضه وخلّقه وعلّق فيه القناديل بالسلاسل الحسان الطوال، وفرش فيه الحصر، وحمل إليه صناديق المصاحف، ونقل إليه القرّاء والفقهاء، وصلّى فيه بكار بن قتيبة القاضي، وعمل الربيع بن سليمان بابا فيما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من بنى لله مسجدا