اختلف الناس في فتح مصر، فقال محمد بن إسحاق، وأبو معشر، ومحمد بن عمرو الواقديّ، ويزيد بن أبي حبيب، وأبو عمرو الكنديّ: فتحت سنة عشرين، وقال سيف بن عمر: فتحت سنة ست عشرة، وقيل: فتحت سنة ست وعشرين، وقيل: سنة إحدى وعشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين، والأوّل أصح وأشهر.
قال ابن عبد الحكم: لما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الجابية قام إليه عمرو بن العاص، فخلا به، فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي أن أسير إلى مصر، وحرّضه عليها، وقال: إنك إن فتحتها كانت قوّة للمسلمين، وعونا لهم، وهي أكثر الأرض أموالا، وأعجز عن القتال والحرب.
فتخوّف عمر بن الخطاب، وكره ذلك، فلم يزل عمرو يعظم أمرها عند عمر بن الخطاب، ويخبره بحالها، ويهوّن عليه فتحها حتى ركن لذلك، فعقد له على أربعة آلاف رجل، كلّهم من عك، ويقال: بل ثلاثة آلاف وخمسمائة، وقال له عمر: سر وأنا مستخير الله في مسيرك، وسيأتيك كتابي سريعا إن شاء الله تعالى، فإن أدركك كتابي آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها، أو شيئا من أرضها، فانصرف، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك، واستعن بالله واستنصره.
فسار عمرو بن العاص من جوف الليل، ولم يشعر به أحد من الناس، واستخار عمر الله، فكأنه تخوّف على المسلمين في وجههم ذلك، فكتب إلى عمرو بن العاص أن ينصرف بمن معه من المسلمين، فأدرك عمرا الكتاب إذ هو برفج «١» فتخوّف عمرو إن هو أخذ الكتاب، وفتحه أن يجد فيه الانصراف كما عهد إليه عمر، فلم يأخذ الكتاب من الرسول، ودافعه وسار كما هو حتى نزل قرية فيما بين رفج والعريش، فسأل عنها فقيل: إنها من مصر، فدعا بالكتاب فقرأه على المسلمين، فقال عمرو لمن معه: ألستم تعلمون أنّ هذه القرية من مصر؟ قالوا: بلى، قال: فإنّ أمير المؤمنين عهد إليّ، وأمرني إن لحقني كتابه،