ولم أدخل أرض مصر أن أرجع، ولم يلحقني كتابه حتى دخلنا أرض مصر، فسيروا، وامضوا على بركة الله.
ويقال: بل كان عمرو بفلسطين، فتقدّم عمرو بأصحابه إلى مصر بغير إذن، فكتب فيه إلى عمر رضي الله عنه، فكتب إليه عمر وهو دون العريش، فحبس الكتاب فلم يقرأه حتى بلغ العريش، فقرأه فإذا فيه من عمر بن الخطاب إلى العاصي ابن العاصي: أما بعد، فإنك سرت إلى مصر، ومن معك وبها جموع الروم، وإنما معك نفر يسير، ولعمري لو نكل بك ما سرت بهم، فإن لم تكن بلغت مصر، فارجع. فقال عمرو: الحمد لله أية أرض هذه؟
قالوا: من مصر فتقدّم كما هو، ويقال: بل كان عمرو في جنده على قيسارية مع من كان بها من أجناد المسلمين، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ ذاك بالجابية، فكتب سرّا فاستأذن أن يسير إلى مصر، وأمر أصحابه، فتنحوا كالقوم الذين يريدون أن يتنحوا من منزل إلى منزل قريب، ثم سار بهم ليلا، فلما فقده أمراء الأجناد استنكروا الذي فعل، ورأوا أن قد غدر، فرفعوا ذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر إلى العاصي ابن العاصي: أما بعد، فإنك قد غررت بمن معك، فإن أدركك كتابي، ولم تدخل مصر فارجع، وإن أدركك، وقد دخلت فامض، واعلم أنّي ممدّك.
ويقال: إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كتب إلى عمرو بن العاص بعد ما فتح الشام: أن اندب الناس إلى المسير معك إلى مصر، فمن خف معك فسر به، وبعث به مع شريك بن عبدة، فندبهم عمرو، فأسرعوا إلى الخروج مع عمرو، ثم إنّ عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل على عمر بن الخطاب، فقال عمر: كتبت إلى عمرو بن العاص يسير إلى مصر من الشام، فقال عثمان: يا أمير المؤمنين إنّ عمر لجريء وفيه إقدام وحبّ للإمارة، فأخشى أن يخرج في غير ثقة ولا جماعة، فيعرّض المسلمين للهلكة رجاء فرصة لا يدري تكون أم لا؟ فندم عمر على كتابه إلى عمرو، وأشفق مما قال عثمان، فكتب إليه: إن أدركك كتابي قبل أن تدخل إلى مصر، فارجع إلى موضعك، وإن كنت دخلت، فامض لوجهك.
فلما بلغ المقوقس قدوم عمرو بن العاص إلى مصر توجه إلى موضع الفسطاط، فكان يجهز على عمرو الجيوش، وكان على القصر رجل من الروم يقال له: الأعيرج، واليا عليه، وكان تحت المقوقس، وأقبل عمرو حتى إذا كان بجبل الجلال نفرت معه راشدة، وقبائل من لخم فتوجه عمرو حتى إذا كان بالعريش أدركه النحر، فضحى عن أصحابه يومئذ بكبش، وتقدّم، فكان أوّل موضع قوتل فيه الفرما «١» قاتلته الروم قتالا شديدا نحوا من شهر، ثم فتح