اعلم أن التحديد هو صفة المحدود على ما هو عليه، والحدّ هو نهاية الشيء، والحدود تكثر وتقل بحسب المحدود والجهات التي تحدّ بها المساكن.
والبقاع أربع جهات وهي: جهة الشمال: التي هي إشارة إلى موضع قطب الفلك الشماليّ المعروف من كواكبه الجدي، والفرقدان، ويقابل جهة الشمال الجهة الجنوبية، والجنوب عبارة: عن موضع قطب الفلك الجنوبيّ الذي يقرب منه سهيل، وما يتبعه من كواكب السفينة، والجهة الثالثة: جهة المشرق وهو مشرق الشمس في الاعتدالين اللذين هما رأس الحمل أوّل فصل الربيع، ورأس الميزان أوّل فصل الخريف، والجهة الرابعة: جهة المغرب وهو مغرب الشمس في الاعتدالين المذكورين، فهذه الجهات الأربع ثابتة بثبوت الفلك غير متغيرة بتغير الأوقات وبها تحدّ الأراضي ونحوها من المساكن، وبها يهتدي الناس في أسفارهم وبها يستخرجون سمت محاريبهم.
فالمشرق والمغرب معروفان، والشمال والجنوب جهتان مقاطعتان لجهتي المشرق والمغرب على تربيع الفلك، فالخط المار بنقطتي الشمال والجنوب يسمى: خط نصف النهار، وهو مقاطع للخط المار بنقطتي المشرق والمغرب المسمى: بخط الاستواء على زوايا قائمة، وأبعاد ما بين هذين الخطين متساوية فالمستقبل للجنوب يكون أبدا مستدبرا للشمال، ويصير المغرب عن يمينه، والمشرق عن يساره، وهذه الجهات الأربع هي التي ينسب إليها ما يحد من البلاد، والأراضي والدور إلا أن أهل مصر يستعملون في تحديدهم بدلا من الجهة الجنوبية لفظة القبلية، فيقولون الحدّ القبليّ ينتهي إلى كذا، ولا يقولون الحدّ الجنوبيّ، وكذلك يقولون الحدّ البحريّ ينتهي إلى كذا، ويريدون بالبحريّ الحدّ الشماليّ، وقد يقع في هاتين الجهتين الغلط في بعض البلاد وذلك أن البلاد التي توافق عروضها عرض مكة إذا كانت أطوالها أقل من طول مكة، فإن القبلة تكون في هذه البلاد نفس الشرق بخلاف التي توافق عروضها عرض مكة، إلا أن أطوالها أطول من طول مكة، فإنّ القبلة في هذه البلاد تكون نفس الغرب، فمن حدّد في شيء من هذه البلاد أرضا أو مسكنا بحدود أربعة، فإنه يصير حدّان منها حدّا واحدا، وكذلك جهة البحر لما جعلوها قبالة جهة القبلة، وحدّدوا ما بينهما من الأراضي، والدور بما يسامتها منه، فإنهم أيضا ربما غلطوا، وذلك أن