ونالت نواقيس الديارات وجمة ... وخوف فلم يمدد إليهنّ ساعد
فتبكى عليهنّ البطاريق في الدجى ... وهنّ لديهم ملقيات كواسد
بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد
[جامع الظاهر]
هذا الجامع خارج القاهرة، وكان موضعه ميدانا، فأنشأه الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ جامعا. قال جامع السيرة الظاهرية: وفي ربيع الآخر، يعني سنة خمس وستين وستمائة، اهتمّ السلطان بعمارة جامع بالحسينية، وسير الأتابك فارس الدين أقطاي المستعرب، والصاحب فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين عليّ بن حنا، وجماعة من المهندسين، لكشف مكان يليق أن يعمل جامعا، فتوجهوا لذلك واتفقوا على مناخ الجمال السلطانية. فقال السلطان لا والله لا جعلت الجامع مكان الجمال، وأولى ما جعلته ميداني الذي ألعب فيه بالكرة وهو نزهتي، فلما كان يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر، ركب السلطان وصحبته خواصه والوزير الصاحب بهاء الدين عليّ بن حنا والقضاة ونزل إلى ميدان قراقوش، وتحدّث في أمره وقاسه ورتب أموره وأمور بنائه، ورسم بأن يكون بقية الميدان وقفا على الجامع يحكر، ورسم بين يديه هيئة الجامع، وأشار أن يكون بابه مثل باب المدرسة الظاهرية، وأن يكون على محرابه قبة على قد رقبة الشافعيّ رحمة الله عليه، وكتب في وقته الكتب إلى البلاد بإحضار عمد الرخام من سائر البلاد، وكتب بإحضار الجمال والجواميس والأبقار والدواب من سائر الولايات، وكتب بإحضار الآلات من الحديد والأخشاب النقية برسم الأبواب والسقوف وغيرها، ثم توجه لزيارة الشيخ الصالح خضر بالمكان الذي أنشأه له، وصلّى الظهر هناك، ثم توجه إلى المدرسة بالقاهرة فدخلها والفقهاء والقرّاء على حالهم، وجلس بينهم، ثم تحدّث وقال: هذا مكان قد جعلته لله عز وجلّ، وخرجت عنه وقفا لله، إذا مت لا تدفنوني هنا. ولا تغيروا معالم هذا المكان فقد خرجت عنه لله تعالى. ثم قام من إيوان الحنفية وجلس بالمحراب في إيوان الشافعية، وتحدّث وسمع القرآن والدعاء، ورأى جميع الأماكن، ودخل إلى قاعة ولده الملك السعيد المبنية قريبا منها، ثم ركب إلى قلعة الجبل وولى عدّة مشدّين على عمارة الجامع، وكان إلى جانب الميدان قاعة ومنظرة عظيمة بناها السلطان الملك الظاهر، فلما رسم ببناء الجامع طلبها الأمير سيف الدين قشتمر العجميّ من السلطان فقال: الأرض قد خرجت عنها لهذا الجامع، فاستأجرها من ديوانه، والبناء والأصناف وهبتك إياها، وشرع في العمارة في منتصف جمادى الآخرة منها.
وفي أوّل جمادى الآخرة سنة ست وستين وستمائة سار السلطان من ديار مصر يريد بلاد الشام، فنزل على مدينة يافا وتسلمها من الفرنج بأمان، في يوم الأربعاء العشرين من