هذه الخانقاه خارج القاهرة على الخليج الكبير من برّه الشرقيّ بجوار جامع بشتاك من غريبه، أنشأها القاضي الأمير سعد الدين إبراهيم بن عبد الرزاق بن غراب الإسكندرانيّ، ناظر الخاص وناظر الجيوش وأستادار السلطان، وكاتب السرّ، وأحد أمراء الألوف الأكابر، أسلم جد غراب وباشر بالإسكندرية حتى ولي نظر الثغر، ونشأ ابنه عبد الرزاق هناك، فولي أيضا نظر الإسكندرية، وولد له ماجد وإبراهيم. فلما تحكم الأمير جمال الدين محمود بن عليّ في الأموال أيام الملك الظاهر برقوق، اختص بإبراهيم وحمله إلى القاهرة وهو صبيّ واعتنى به واستكتبه في خاص أمواله حتى عرفها، فتنكر محمود عليه لأمر بدا منه في ماله، وهمّ به فبادر إلى الأمير علاء الدين عليّ بن الطبلاويّ وترامى عليه، وهو يومئذ قد نافس محمودا فأوصله بالسلطان وأمكنه من سماع كلامه، فملأ أذنه بذكر أموال محمود ووغر صدره عليه حتى نكبه واستصفى أمواله، كما ذكر في خبره عند ذكر مدرسة محمود من هذا الكتاب، وولي ابن غراب نظر الديوان المفرد في حادي عشر صفر سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، وعمره عشرون سنة أو نحوها، وهي أوّل وظيفة وليها، فاختص بابن الطبلاويّ ولازمه وملأ عينه بكثرة المال، فتحدّث له في وظيفة نظر الخاص عوضا عن سعد الدين أبي الفرج بن تاج الدين موسى، فوليها في تاسع عشر ذي القعدة، وغص بمكان ابن الطبلاويّ فعمل عليه عند السلطان حتى غيره عليه وولاه أمره، فقبض عليه في داره وعلى سائر أسبابه في شعبان في سنة ثمانمائة، ثم أضيف إليه نظر الجيوش عوضا عن شرف الدين محمد الدمامينيّ في تاسع ذي القعدة سنة ثمانمائة، فعفّ عن تناول الرسوم وأظهر من الفخر والحشمة والمكارم أمرا كبيرا، وقدّر الله موت السلطان في شوّال سنة إحدى وثمانمائة بعد ما جعله من جملة أوصيائه، فباطن الأمير يشبك الخازندار على إزالة الأمير الكبير أيتمش القائم بدولة الناصر فرج بن برقوق، وعمل لذلك أعمالا حتى كانت الحرب بعد موت السلطان الملك الظاهر بين الأمير أيتمش وبين الأمير يشبك، في ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانمائة، التي انهزم فيها أيتمش وعدّة من الأمراء إلى الشام، وتحكم الأمير يشبك فاستدعى عند ذلك ابن غراب أخاه فخر الدين ماجدا من الإسكندرية، وهو يلي نظرها إلى قلعة الجبل، وفوّضت إليه وزارة الملك الناصر فرج بن برقوق، فقاما بسائر أمور الدولة إلى أن ولي الأمير يلبغا السالميّ الأستادارية، فسلك معه عادته من المنافسة، وسعى به عند الأمير يشبك حتى قبض عليه، وتقلد وظيفة الأستادارية عوضا عن السالميّ في رابع عشر رجب سنة ثلاث وثمانمائة، مضافا إلى نظر الخاص ونظر الجيوش، فلم يغير زيّ الكتاب، وصار له ديوان كدواوين الأمراء، ودقت الطبول على بابه، وخاطبه الناس وكاتبوه بالأمير، وسار في ذلك سيرة ملوكية من كثرة العطاء وزيادة الأسمطة والاتساع في الأمور، والازدياد من المماليك