شيئا فرفق بهم فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه» وانصرف. فصار الشجاعيّ: من ذلك في قلق، وطلب الشيخ تقيّ الدين محمد بن دقيق العيد وكان له فيه اعتقاد حسن وفاوضه في حديث الناس في منع الصلاة في المدرسة، وذكر له أن السلطان إنما أراد محاكاة نور الدين الشهيد والاقتداء به لرغبته في عمل الخير، فوقع الناس في القدح فيه، ولم يقدحوا في نور الدين. فقال له: إن نور الدين أسر بعض ملوك الفرنج وقصد قتله، ففدى نفسه بتسليم خمسة قلاع وخمسمائة ألف دينار حتى أطلقه، فمات في طريقه قبل وصوله مملكته، وعمر نور الدين بذلك المال مارستانه بدمشق من غير مستحث، فمن أين يا علم الدين تجد مالا مثل هذا المال وسلطانا مثل نور الدين، غير أن السلطان له نيته، وأرجو له الخير بعمارة هذا الموضع، وأنت إن كان وقوفك في عمله بنية نفع الناس فلك الأجر، وإن كان لأجل أن يعلم أستاذك علوّ همتك فما حصلت على شيء. فقال الشجاعيّ: الله المطلع على النيات، وقرّر ابن دقيق العيد في تدريس القبة.
قال مؤلفه: إن كان التحرّج من الصلاة لأجل أخذ الدار القطبية من أهلها بغير رضاهم وإخراجهم منها بعسف واستعمال أنقاض القلعة بالروضة، فلعمري ما تملك بني أيوب الدار القطبية وبناؤهم قلعة الروضة وإخراجهم أهل القصور من قصورهم التي كانت بالقاهرة وإخراج سكان الروضة من مساكنهم، إلّا كأخذ قلاون الدار المذكورة وبنائها بما هدمه من القلعة المذكورة وإخراج مؤنسة وعيالها من الدار القطبية، وأنت إن أمعنت النظر وعرفت ما جرى تبين لك أن ما القوم إلّا سارق من سارق، وغاصب من غاصب، وإن كان التحرّج من الصلاة لأجل عسف العمال وتسخير الرجال، فشيء آخر بالله عرّفني، فإني غير عارف من منهم لم يسلك في أعماله هذا السبيل، غير أن بعضهم أظلم من بعض، وقد مدح غير واحد من الشعراء هذه العمارة، منهم شرف الدين البوصيريّ فقال:
ومدرسة ود الخورنق أنّه ... لديها خطير والسدير غدير
مدينة علم والمدارس حولها ... قرى أو نجوم بدر هنّ منير
تبدّت فأخفى الظاهرية نورها ... وليس يظهر للنجوم ظهور
بناء كأنّ النحل هندس شكله ... ولانت له كالشمع فيه صخور
بناها سعيد في بقاع سعيدة ... بها سعدت قبل المدارس نور
ومن حيثما وجّهت وجهك نحوها ... تلقّتك منها نضرة وسرور
إذا قام يدعو الله فيها مؤذن ... فما هو إلّا للنجوم سمير
[المارستان المؤيدي]
هذا المارستان فوق الصوّة تجاه طبلخاناه قلعة الجبل، حيث كانت مدرسة الأشرف