ما عندكم ينفد وما عند الله باق، المال مال الله عز وجلّ، والخلق عيال الله، ونحن أمناؤه في الأرض، أطلق أزراق الناس ولا تقطعها والسلام. ولم يزل على ذلك إلى أن بطل أمره في جمادى الآخرة من سنة خمس وأربعمائة، وذلك أنه ركب مع الحاكم على عادته، فلما حصل بحارة كتامة خارج القاهرة ضرب رقبته هناك ودفن في هذا الموضع تخمينا، واستحضر الحاكم جماعة الكتّاب بعد قتله وسأل رؤساء الدواوين عما يتولاه كل واحد منهم، وأمرهم بلزوم دواوينهم وتوفرهم على الخدمة، وكانت مدّة نظر ابن الوزان في الوساطة والتوقيع عن الحضرة، وهي رتبة الوزارة، سنتين وشهرين وعشرين يوما، وكان توقيعه عن الحضرة الإمامية الحمد لله وعليه توكلي.
[مسجد الذخيرة]
هذا المسجد تحت قلعة الجبل بأوّل الرميلة تجاه شبابيك مدرسة السلطان حسن بن محمد بن قلاون التي تلي بابها الكبير الذي سدّه الملك الظاهر برقوق، أنشأه ذخيرة الملك جعفر متولي الشرطة. قال ابن المأمون في تاريخه: في هذه السنة، يعني سنة ست عشرة وخمسمائة، استخدم ذخيرة الملك جعفر في ولاية القاهرة والحسبة بسجل أنشأه ابن الصيرفيّ، وجرى من عسفه وظلمه ما هو مشهور، وبنى المسجد الذي ما بين الباب الجديد إلى الجبل الذي هو به معروف، وسمّي مسجد لا بالله، بحكم أنه كان يقبض الناس من الطريق ويعسفهم، فيحلفونه ويقولون له لا بالله، فيقيدهم ويستعملهم فيه بغير أجرة، ولم يعمل فيه منذ أنشأه إلّا صانع مكره، أو فاعل مقيد، وكتبت عليه هذه الأبيات المشهورة:
بنى مسجدا لله من غير حله ... وكانّ بحمد الله غير موفق
كمطعمة الأيتام من كدّ فرجها ... لك الويل لا تزني ولا تتصدّقي
وكان قد أبدع في عذاب الجناة وأهل الفساد، وخرج عن حكم الكتّاب فابتلى بالأمراض الخارجة عن المعتاد، ومات بعد ما عجل الله له ما قدّمه، وتجنب الناس تشييعه والصلاة عليه، وذكر عنه في حالتي غسله وحلوله بقبره ما يعيذ الله كلّ مسلم من مثله. وقال ابن عبد الظاهر: مسجد الذخيرة تحت قلعة الجبل، وذكر ما تقدّم عن ابن المأمون.
[مسجد رسلان]
هذا المسجد بحارة اليانسية، عرف بالشيخ الصالح رسلان لإقامته به، وقد حكيت عنه كرامات، ومات به في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وكان يتقوّت من أجرة خياطته للثياب، وابنه عبد الرحمن بن محمد بن رسلان أبو القاسم كان فقيها محدّثا مقرئا، مات في سنة سبع وعشرين وستمائة.