كبيرة، وأهله شقر الألوان، وله من البروج الميزان، ومن السيارة الشمس، وفي كل إقليم من هذه الأقاليم السبعة أمم مختلفة الألسن، والألوان، وغير ذلك من الطبائع والأخلاق والآراء والديانات والمذاهب، والعقائد والأعمال والصنائع، والعادات والعبادات لا يشبه بعضهم بعضا، وكذلك الحيوانات والمعادن والنبات مختلفة في الشكل والطعم واللون والريح بحسب اختلاف أهوية البلدان، وتربة البقاع، وعذوبة المياه وملوحتها على ما اقتضته طوالع كل بلد من البروج على أفقه وممرّ الكواكب على مسامته البقاع من الأرض، ومطارح شعاعاتها على المواضع كما هو مقرّر في مواضعه من كتب الحكمة ليتدبر أولو النهي، ويعتبر ذوو الحجى بتدبير الله في خلقه، وتقديره لما يشاء وفعله لما يريد لا إله إلّا هو ومع ذلك فإن الربع المسكون من الأرض على تفاوت أقطاره مقسوم بين سبع أمم كبار: وهم الصين، والهند، والسودان، والبربر، والروم، والترك، والفرس، فجنوب مشرق الأرض في يد الصين وشماله في يد الترك ووسط جنوب الأرض في يد الهند وفي وسط شمال الأرض الروم وفي جنوب مغرب الأرض السودان وفي شمال مغرب الأرض البربر وكانت الفرس في وسط هذه الممالك قد أحاطت بهم الأمم الست.
[ذكر محل مصر من الأرض وموضعها من الأقاليم السبعة]
وإذ يسر الله سبحانه بذكر جمل أحوال الأرض، ومعرفة ما في كل إقليم من أقاليم الأرض، فلنذكر محل مصر من ذلك فنقول:
ديار مصر بعضها واقع في الإقليم الثاني، وبعضها واقع في الإقليم الثالث، فما كان منها في الصعيد الأعلى كقوص، واخميم وأسنى وأنصنا وأسوان، فإنّ ذلك واقع في أقسام الإقليم الثاني، وما كان من ديار مصر في جهة الشمال من أنصنا، وهو الصعيد الأدنى من أسيوط إلى فسطاط مصر، والفيوم والقاهرة والإسكندرية والفرما وتنيس ودمياط فإن ذلك من أقسام الإقليم الثالث، وطول مدينة مصر الفسطاط والقاهرة، وهو بعدهما من أوّل العمارة في جهة المغرب: خمس وخمسون درجة، والعرض وهو البعد من خط الاستواء ثلاثون درجة، وطول النهار الأطول أربع عشرة ساعة، وغاية ارتفاع الشمس في الفلك بها ثلاث وثمانون درجة وثلث وربع درجة، وفسطاط مصر مع القاهرة من مكة شرّفها الله تعالى واقعان في الربع الجنوبيّ الشرقيّ، والصعيد الأعلى أشدّ تشريقا لبعده عن مدينة الفسطاط بأيام عديدة في جهة الجنوب، فيكون على ذلك مقابلا لمكة من غربيها، ومصر لا يتوصل إليها إلا من مفازة، ففي شرقيها بحر القلزم من وراء الجبل الشرقي، وفي غربيها صحراء المغرب، وفي جنوبها مفازة النوبة والحبشة، وفي شمالها البحر الشامي، والرمال التي فيها بين بحر الروم، وبحر القلزم وبين مصر وبغداد على ما ذكره ابن خرداذبه «١» في كتاب