من طعامهم سألهم عمرو: كم أنفقتم؟ قالوا: عشرين ألف دينار، قال عمرو: لا حاجة لنا بصنيعكم بعد اليوم أدّوا إلينا عشرين ألف دينار، فجاءه النفر من القبط، فاستأذنوه إلى قراهم وأهليهم، فقال لهم عمرو: كيف رأيتم أمرنا؟ قالوا: لم نر إلّا حسنا، فقال الرجل الذي قال في المرّة الأولى: إنكم لن تزالوا تظهرون على كل من لقيتم حتى تقتلوا خيركم رجلا، فغضب عمرو، وأمر به فطلب إليه أصحابه، وأخبروه أنه لا يدري ما يقول، حتى خلصوه.
فلما بلغ عمرا قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أرسل في طلب ذلك القبطيّ، فوجدوه قد هلك، فعجب عمرو من قوله ويقال: إنّ عمرو بن العاص قال: فلما طعن عمر بن الخطاب، قلت هو ما قال القبطيّ، فلما حدّثت أنه إنما قتله أبو لؤلؤة رجل نصرانيّ قلت: لم يعن هذا إنما عنى من قتله المسلمون، فلما قتل عثمان عرفت أن ما قال الرجل حق، فلما فرغ القبط من صنيعهم، أمر عمرو بن العاص بطعام، فصنع لهم وأمرهم أن يحضروا لذلك، فصنع لهم الثريد والعراق، وأمر أصحابه بلباس الأكسية، واشتمال الصمّاء والقعود على الركب، فلما حضرت الروم، وضعوا كراسي الديباج، فجلسوا عليها، وجلست العرب إلى جوانبهم، فجعل الرجل من العرب يلتقم اللقمة العظيمة من الثريد، وينهش من ذلك اللحم، فيتطاير على من إلى جنبه من الروم، فبشعت الروم ذلك، وقالت:
أين أولئك الذين كانوا أتونا قبل؟ فقيل لهم: أولئك أصحاب المشورة، وهؤلاء أصحاب الحرب.
وقال الكنديّ: وذكر يزيد بن أبي حبيب: أنّ عدد الجيش الذين كانوا مع عمرو بن العاص خمسة عشر ألفا وخمسمائة، وذكر عبد الرحمن بن سعيد بن مقلاص: أنّ الذي جرت سهمانهم في الحصن من المسلمين اثنا عشر ألفا وثلثمائة بعد من أصيب منهم في الحصار بالقتل والموت، ويقال: إنّ الذين قتلوا في هذا الحصار من المسلمين دفنوا في أصل الحصن.
وذكر القضاعيّ: أنّ مصر فتحت يوم الجمعة مستهلّ المحرّم سنة عشرين، وقيل:
فتحت سنة ست عشرة، وهو قول الواقديّ، وقيل: فتحت والإسكندرية سنة خمس وعشرين، والأكثر على أنها فتحت قبل عام الرّمادة، وكانت الرّمادة في آخر سنة سبع عشرة، وأول ثمان عشرة.
[ذكر ما قيل في مصر هل فتحت بصلح أو عنوة؟]
وقد اختلف في فتح مصر، فقال قوم: فتحت صلحا، وقال آخرون: إنما فتحت عنوة، فأمّا الذين قالوا كان فتح مصر بصلح، فإنّ حسين بن شفي قال: لما فتح عمرو بن