العاص الإسكندرية بقي من الأسارى بها ممن بلغ الخراج، وأحصي يومئذ ستمائة ألف سوى النساء والصبيان، فاختلف الناس على عمرو في قسمهم، فكان أكثر المسلمين يريد قسمها، فقال عمرو: لا أقدر على قسمها، حتى أكتب إلى أمير المؤمنين، فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها، وأنّ المسلمين طلبوا قسمها، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: لا تقسمها، وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين، وقوّة لهم على جهاد عدوّهم، فأقرّها عمرو، وأحصى أهلها، وفرض عليهم الخراج، فكانت مصر كلها صلحا بفريضة: دينارين دينارين، إلّا أنه يلزم بقدر ما يتوسع فيه من الأرض والزرع إلّا الإسكندرية فإنهم كانوا يؤدّون الخراج والجزية على قدر ما يرى من وليهم، لأنّ الإسكندرية فتحت عنوة بغير عهد، ولا عقد، ولم يكن لهم صلح ولا ذمّة.
وقال الليث عن يزيد بن أبي حبيب: مصر كلها صلح إلّا الإسكندرية فإنها فتحت عنوة.
وقال عبد الله بن أبي جعفر: حدّثني رجل ممن أدرك عمرو بن العاص قال: للقبط عهد عند فلان، وعهد عن فلان، فسمي ثلاثة نفر، وفي رواية: إنّ عهد أهل مصر كان عند كبرائهم، وفي رواية: سألت شيخا من القدماء عن فتح مصر، قلت له: فإن ناسا يذكرون أنه لم يكن لهم عهد، فقال: ما يبالي أن لا يصلي من قال: إنه ليس لهم عهد، فقلت: فهل كان لهم كتاب؟ فقال: نعم، كتب ثلاثة: كتاب عند ظلما صاحب إخنا، وكتاب عند قرمان صاحب رشيد، وكتاب عند بحنس صاحب البرلس؛ قلت: كيف كان صلحهم؟ قال:
دينارين على كل إنسان جزية، وأرزاق المسلمين، قلت: فتعلم ما كان من الشروط؟ قال:
نعم، ستة شروط: لا يخرجون من ديارهم، ولا تنزع نساؤهم، ولا كفورهم، ولا أراضيهم، ولا يزاد عليهم.
وقال يزيد بن أبي حبيب عن أبي جمعة مولى عقبة قال: كتب عقبة بن عامر إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: يسأله أرضا يسترفق بها عند قرية عقبة، فكتب له معاوية: بألف ذراع في ألف ذراع، فقال له مولى له كان عنده: انظر أصلحك الله أرضا صالحة، فقال له عقبة: ليس لنا ذلك إنّ في عهدهم شروطا ستة لا يؤخذ من أنفسهم شيء، ولا من نسائهم، ولا من أولادهم، ولا يزاد عليهم، ويدفع عنهم موضع الخوف من عدوّهم، وأنا شاهد لهم بذلك.
وعن يزيد بن أبي حبيب عن عوف بن حطان: أنه كان لقريات من مصر منهنّ:
أم دنين وبلهيت عهد، وإنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمع بذلك، كتب إلى عمرو يأمره أن يخبرهم، فإن دخلوا في الإسلام فذاك، وإن كرهوا فارددهم إلى قراهم، وقال يحيى بن أيوب وخالد بن حميد: ففتح الله أرض مصر كلها بصلح غير الإسكندرية، وثلاث