وفي ذي القرنين أقاويل كثيرة، وقال الإمام فخر الدين الرازي في كتاب تفسير القرآن الكريم، ومما يعترض به على من قال: إنّ الإسكندر هو ذو القرنين، أن معلم الإسكندر كان أرسطاطاليس بأمره يأتمر، وبنهيه ينتهي، واعتقاد أرسطاطاليس مشهور، وذو القرنين نبيّ، فكيف يقتدى نبيّ بأمر كافر في هذا إشكال؟.
وقال الجاحظ في كتاب الحيوان: إنّ ذا القرنين كانت أمه آدمية، وأبوه من الملائكة، ولذلك لما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا ينادي رجلا يا ذا القرنين، قال:
أفرغتم من أسماء الأنبياء فارتفعتم إلى أسماء الملائكة؟! وروى المختار ابن أبي عبيد: أنّ عليا رضي الله عنه كان إذا ذكر ذا القرنين قال: ذلك الملك الأمرط، والله أعلم.
[ذكر من ولي الملك بالإسكندرية بعد الإسكندر]
قال في كتاب هروشيوش: إنّ الإسكندر ملك الدنيا اثنتي عشرة سنة، فكانت الدنيا مأسورة بين يديه، طول ولايته، فلما مات، تركها بين يدي قوّاده المستخلفين تحته، فكان مثله معهم كمثل الأسد الذي ألقى صيده بين يدي أشباله، فتقاتلت عليه تلك الأشبال بعده، وذلك أنهم اقتسموا البلاد، فصارت مصر وإفريقية كلها وبلاد الغرب إلى قائده، وصاحب خيله الذي ولي مكانه، وهو بطليموس بن لاوي، ويقال: بطليموس بن ارنبا المنطقي، وذكر بقية ممالك القوّاد من أقصى بلاد الهند إلى آخر بلاد المغرب، ثم قال: فثارت بينهم حروب وسببها رسالة كانت خرجت من عند الإسكندر بأن يرجع جميع الغرباء المنفيين إلى بلادهم، ويسقط عنهم الرق والعبودية، فاستثقل ذلك ملك بلاد الروم إذ خاف أن يكون الغرباء والمنفيون إذا رجعوا إلى بلدانهم ومواطنهم يطلبون النقمة لأنفسهم، فكان هذا الأمر، سبب خروجهم عن طاعة سلطان المجدونيين.
وقال غيره: وبطليموس هذا سبى بني معدّ بعد ما غزا فلسطين، ثم أطلقهم وحباهم بآنية جوهر وضعت في بيت المقدس، وملك عشرين سنة، وقال غيره: ولي أربعين سنة، وقيل: ثمانيا وثلاثين سنة، وقيل: إن اسمه فيلدلفوس، وهو محب الأب وكان مجدونيا، وهو الذي غنم اليهود، ونقل كثيرا منهم إلى مصر، وفي زمانه كان زينون الفيلسوف، وكان هذا الملك فيلسوفا، وأقبل برديقا أحد قوّاد الإسكندر إلى مصر، بعسكر عظيم وجيش عرمرم، فتفرّق سلطان مجدونية على قسمين، ثم إنّ بطليموس جمع عساكر مصر وإفريقية، ولاقى برديقا، فهزمه وأصاب عسكره، ثم قتله وأصاب ما كان معه، وحارب عدّة من قوّاد الإسكندر.
وقال غيره: وكان بطليموس هذا حكيما عالما شابا مدبرا، وهو أوّل من اقتنى البزاة،