الأموال والأنعام، فصار أمر الدولة كله بيده، هذا وأحمد بن السلطان الملك الناصر مقيم بمدينة الكرك، فخافه قوصون وأخذ في التدبير عليه فلم يتم له ما أراد من ذلك، وحرّك على نفسه ما كان ساكنا، فطلب أحمد الملك لنفسه وكاتب الأمراء والنوّاب بالمملكة الشامية والمصرية فأذعنوا إليه، وكان بمصر من الأمراء الأمير أيدغمش والأمير آل ملك وقماري والماردانيّ وغيرهم، فتخيل قوصون منهم وأخذ في أسباب القبض عليهم، فعلموا بذلك وخافوا الفوت فركبوا لحربه وحصروه بقلعة الجبل حتى قبضوا عليه في ليلة الأربعاء آخر شهر رجب سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، ونهبت داره وسائر دور حواشيه وأسبابه، وحمل إلى الاسكندرية صحبة الأمير قبلاي فقتل بها، وكان كريما يفرّق في كل سنة للأضحية ألف رأس غنما، وثلاثمائة بقرة، ويفرّق ثلاثين حياصة ذهبا، ويفرّق كلّ سنة عدّة أملاك فيها ما يبلغ ثمنه ثلاثين ألف درهم، وله من الآثار بديار مصر سوى هذا الجامع الخانقاه بباب القرافة، والجامع تجاهها، وداره التي بالرميلة تحت القلعة تجاه باب السلسلة وحكر قوصون.
جامع الماردانيّ
هذا الجامع بجوار خط التبانة خارج باب زويلة، كان مكانه أوّلا مقابر أهل القاهرة، ثم عمر أماكن. فلما كان في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، أخذت الأماكن من أربابها وتولى شراءها النشو. فلم ينصف في أثمانها، وهدمت وبني مكانها هذا الجامع، فبلغ مصروفه زيادة على ثلاثمائة ألف درهم، عنها نحو خمسة عشر ألف دينار، سوى ما حمل إليه من الأخشاب والرخام وغيره من جهة السلطنة، وأخذ ما كان في جامع راشدة من العمد فعملت فيه، وجاء من أحسن الجوامع، وأوّل خطبة أقيمت فيه يوم الجمعة رابع عشري رمضان سنة أربعين وسبعمائة، وخطب فيه الشيخ ركن الدين عمر بن إبراهيم الجعبريّ، ولم يتناول معلوما.
ألطنبغا الماردانيّ الساقي: أمّره الملك الناصر محمد بن قلاون، وقدّمه وزوّجه ابنته، فلما مات السلطان وتلوى بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر، ذكر أنه وشى بأمره إلى الأمير قوصون وقال: قد عزم على إمساكك. فتحيل قوصون وخلع أبا بكر وقتله بقوص، هذا مع أن الطنبغا كان قد عظم عند المنصور أكثر مما كان عند أبيه، فلما أقيم الأشرف كجك وماج الناس وحضر الأمير قطلوبغا من الشام وشغب الأمراء على قوصون، كان ألطبغا أصل ذلك كله، ثم نزل إلى الأمير أيدغمش أمير أخور واتفق معه على أن يقبض على قوصون، وطلع إلى قوصون وشاغله وخذله عن الحركة طول الليل والأمراء الكبار المشايخ عنده، وما زال يساهره حتى نام، وكان من قيالم الأمراء وركوبهم عليه ما كان، إلى أن أمسك وأخرج إلى الاسكندرية، ولما قدم ألطنبغا نائب الشام وأقام، تقدّم الماردانيّ وقبض على سيفه ولم