هذا الجامع بسويقة منعم، فيما بين الصليبة والرميلة تحت قلعة الجبل، أنشأه الأمير الكبير سيف الدين شيخو الناصريّ، رأس نوبة الأمراء في سنة ست وخمسين وسبعمائة، ورفق بالناس في العمل فيه وأعطاهم أجورهم، وجعل فيه خطبة وعشرين صوفيا، وأقام الشيخ أكمل الدين محمد بن محمود الروميّ الحنفيّ شيخهم، ثم لما عمر الخانقاه تجاه الجامع نقل حضور الأكمل والصوفية إليها، وزاد عدّتهم، وهذا الجامع من أجلّ جوامع ديار مصر.
شيخو: الأمير الكبير سيف الدين، أحد مماليك الناصر محمد بن قلاون، حظي عند الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاون، وزادت وجاهته حتى شفع في الأمراء وأخرجهم من سجن الإسكندرية، ثم إنه استقرّ في أوّل دولة الملك الناصر حسن أحد أمراء المشورة، وفي آخر الأمر كانت القصص تقرأ عليه بحضرة السلطان في أيام الخدمة، وصار زمام الدولة بيده، فساسها أحسن سياسة بسكون وعدم شرّ، وكان يمنع كل حزب من الوثوب على الآخر، فعظم شأنه إلى أن رسم السلطان بإمساك الأمير يلبغاروس نائب السلطنة بديار مصر وهو مسافر بالحجاز، وكان شيخو قد خرج متصيدا إلى ناحية طنان بالغربية، فلما كان يوم السبت رابع عشري شوّال سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، أمسك السلطان الأمير منجك الوزير، وحلّف الأمراء لنفسه، وكتب تقليد شيخو بنيابة طرابلس، وجهزه إليه مع الأمير سيف الدين طينال الجاشنكير، فسار إليه وسفره من برّا، فوصل إلى دمشق ليلة الثلاثاء رابع ذي القعدة، فظهر مرسوم السلطان بإقامة شيخو في دمشق على إقطاع الأمير بيلبك السالميّ، وبتجهيز بيلبك إلى القاهرة، فخرج بيلبك من دمشق وأقام شيخو على إقطاعه بها، فما وصل بيلبك إلى القاهرة إلّا وقد وصل إلى دمشق وأقام شيخو على إقطاعه بها، فما وصل وتقييد مماليكه واعتقالهم بقلعة دمشق، فأمسك وجهّز مقيدا، فلما وصل إلى قطيا توجهوا به إلى الإسكندرية، فلم يزل معتقلا بها إلى أن خلع السلطان الملك الناصر حسن، وتولى أخوه الملك الصالح صالح، فأفرج عن شيخو ومنجك الوزير وعدّة من الأمراء، فوصلوا إلى القاهرة في رابع شهر رجب سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وأنزل في الأشرفية بقلعة الجبل، واستمرّ على عادته، وخرج مع الملك الصالح إلى الشام في واقعة يلبغاروس، وتوجه إلى حلب هو والأمير طاز وأرغون الكامليّ خلف يبلغاروس، وعاد مع السلطان إلى القاهرة وصمم حتى أمسك يلبغاروس ومن معه من الأمراء بعد ما وصلوا إلى بلاد الروم، وحزت رؤسهم، وأمسك أيضا ابن دلغار وأحضر إلى القاهرة ووسّط وعلّق على باب زويلة، ثم خرج بنفسه في طلب الأحدب الذي خرج بالصعيد وتجاوز في سفره قوص، وأمسك عدّة كثيرة ووسّطهم حتى سكنت الفتن بأرض مصر، وذلك في آخر سنة أربع وخمسين وأوّل سنة خمس وخمسين.