الملوك الجبابرة، وتقف الرؤساء على بابه من نصف الليل ومعهم المشاعل والشمع، وعند الصباح يركب فلا يراهم ولا يرونه، لأنه إمّا أن يرفع رأسه إلى السماء تيها، وإمّا أن يعرّج إلى طريق غير التي هم بها، وإمّا أن يأمر الجنادرة التي في ركابه بضرب الناس وطردهم من طريقه. ويكون الرجل قد وقف على بابه طول الليل، إمّا من أوّله أو من نصفه بغلمانه ودوابه، فيطرد عنه ولا يراه، وكان له بوّاب يأخذ من الناس مالا كثيرا ومع ذلك يهينهم إهانة مفرطة، وعليه للصاحب في كل يوم خمسة دنانير، منها ديناران برسم الفقاع، وثلاثة دنانير برسم الحلوى، وكسوة غلمانه ونفقاته عليه أيضا، ومع ذلك اقتنى عقارا وقرى، ولما كان بعد موت الصاحب قدم من بغداد رسول الخليفة الظاهر، وهو محيي الدين أبو المظفر بن الجوزيّ، ومعه خلعة الخليفة للملك الكامل، وخلع لأولاده، وخلعة للصاحب صفيّ الدين، فلبسها فخر الدين سليمان كاتب الإنشاء، وقبض الملك الكامل على أولاده تاج الدين يوسف، وعز الدين محمد وحبسهما، وأوقع الحوطة على سائر موجوده رحمه الله وعفا عنه.
[المدرسة الشريفية]
هذه المدرسة بدرب كركامة على رأس حارة الجودرية من القاهرة، وقفها الأمير الكبير الشريف فخر الدين أبو نصر إسماعيل بن حصن الدولة فخر العرب ثعلب بن يعقوب بن مسلم بن أبي جميل دحية بن جعفر بن موسى بن إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، الجعفريّ الزينبيّ، أمير الحاج والزائرين، وأحد أمراء مصر في الدولة الأيوبية، وتمت في سنة اثنتي عشرة وستمائة، وهي من مدارس الفقهاء الشافعية.
قال ابن عبد الظاهر: وجرى له في وقفها حكاية مع الفقيه ضياء الدين بن الورّاق، وذلك أن الملك العادل سيف الدين أبا بكر، يعني ابن أيوب، لما ملك مصر وكان قد دخلها على أنه نائب للملك المنصور محمد بن العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف، فقوى عليه وقصد الاستبداد بالملك، فأحضر الناس للحلف، وكان من جملتهم الفقيه ضياء الدين بن الورّاق، فقوى عليه وقصد الاستبداد بالملك، فأحضر الناس للحلف، وكان من جملتهم الفقيه ضياء الدين بن الورّاق، فلما شرع الناس في الحلف قال الفقيه ضياء الدين: ما هذا الحلف، بالأمس حلفتم للمنصور، فإن كانت تلك الأيمان باطلة، فهذه باطلة، وإن كانت تلك صحيحة فهذه باطلة.
فقال الصاحب صفيّ الدين بن شكر للعادل: أفسد عليك الأمور هذا الفقيه. وكان الفقيه لم يحضر إلى ابن شكر ولا سلّم عليه، فأمر العادل بالحوطة على جميع موجود الفقيه وماله وأملاكه، واعتقاله بالرصد مرسما عليه فيه، لأنه كان مسجده، فأقام مدّة سنين على هذه الصورة، فلما كان في بعض الأيام وجد غرّة من المترسمين فحضر إلى دار الوزارة