وشرّف وعظم وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم الثلاثاء: عيد الفطر من سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وقد كان من قيام أمير المؤمنين بحقه وأدائه، وجريه في ذلك على عادته، وعادة من قبله من آبائه، ما ينبئك به، ويطلعك على مستوره عنك ومغيبه، وذلك أن دنس ثوب الليل لما بيضه الصباح، وعاد المحرّم المحظور بما أطلقه المحلل المباح، توجهت عساكر أمير المؤمنين من مظانها إلى بابه، وأفطرت بين يديه بعد ما حازته من أجر الصيام وثوابه، ثم انثنت إلى مصافها في الهيئات، التي يقصر عنها تجريد الصفات، وتغني مهابتها عن تجريد المرهفات، وتشهد أسلحتها وعددها بالتنافس في الهمم، وتلق مواضيها في أغمادها شوقا إلى الطلى والقمم، وقد امتلأت الأرض بازدحام الرجل والخيل، وثار العجاج فلم ير أغرب من اجتماع النهار والليل، وبرز أمير المؤمنين من قصوره، وظهر للأبصار على أنه محتجب بضيائه ونوره، وتوجه إلى المصلى في هدي جدّه وأبيه، والوقار الذي ارتفع فيه عن النظير والشبيه، ولما انتهى إليه قصد المحراب واستقبله، وأدّى الصلاة على وضع رضيه الله وتقبله، وأجرى أمرها على أفضل المعهود، ووفاها حقها من القراءة والتكبير والركوع والسجود، وانتهى إلى المنبر، فعلا وكبر الله، وهلله على ما أولاه، وذكر الثواب على إخراج الفطرة وبشر به، وإنّ المسارعة إليه من وسائل المحافظة على الخير وقربه، ووعظ وعظا ينتفع قابله في عاجلته ومنقلبه، ثم عاد إلى قصوره الزاهرة مشمولا بالوقاية، مكنوفا بالكفاية، منتهيا في إرشاد عبيده، ورعاياه أقصى الغاية، أعلمك أمير المؤمنين خبر هذا اليوم، لتعلم منه ما تسكن إليه وتعلن بتلاوته على الكافة ليشتركوا في معرفته، ويشكروا الله عليه، فاعلم هذا، واعمل به إن شاء الله تعالى. وكان من أهل برقة طائفة تعرف بصبيان الخف لها إقطاعات وجرايات، وكسوات ورسوم فإذا ركب الخليفة في العيدين مدّوا حبلين مسطوحين من أعلى باب النصر إلى الأرض حبلا عن يمين الباب، وحبلا عن شماله، فإذا عاد الخليفة من المصلى، نزل على الحبلين طائفة من هؤلاء على أشكال خيل من خشب، مدهون وفي أيديهم رايات، وخلف كل واحد منهم رديف، وتحت رجليه آخر معلق بيديه ورجليه، ويعملون أعمالا تذهل العقول، ويركب منهم جماعة في الموكب على خيول، فيركضون وهم يتقلبون عليها، ويخرج الواحد منهم من تحت إبط الفرس، وهو يركض، ويعود يركب من الجانب الآخر، ويعود، وهو على حاله لا يتوقف، ولا يسقط منه شيء إلى الأرض، ومنهم من يقف على ظهر الحصان، فيركض به، وهو واقف.
[ذكر القصر الصغير الغربي]
وكان تجاه القصر الكبير الشرقيّ الذي تقدّم ذكره في غريبه قصر آخر صغير يعرف بالقصر الغربي، ومكانه الآن حيث المارستان المنصوري، وما في صفّه من المدارس، ودار الأمير بيسري، وباب قبو الخرنشف، وربع الملك الكامل المطل على سوق الدجاجين اليوم المعروف قديما بالتبانين، وما يجاوره من الدرب المعروف اليوم بدرب الخضيري تجاه