الجامع الأقمر، وما وراء هذه الأماكن إلى الخليج، وكان هذا القصر الغربيّ يعرف أيضا بقصر البحر والذي بناه العزيز بالله نزار بن المعز.
قال المسبحي: ولم يبن مثله في شرق، ولا في غرب.
وقال ابن أبي طيّ في أخبار سنة سبع وخمسين وأربعمائة، ففيها تمم الخليفة المستنصر بناء القصر الغربيّ، وسكنه، وغرم عليه ألفي ألف دينار وكان ابتداء بنيانه في سنة خمسين وأربعمائة، وكان سبب بنائه أنه غرم على أن يجعله منزلا للخليفة القائم بأمر الله صاحب بغداد، ويجمع بني العباس إليه، ويجعله كالمجلس لهم، فخانه أمله، وتممه في هذه السنة، وجعله لنفسه وسكنه.
وقال ابن ميسر: إن ست الملك أخت الحاكم كانت أكبر من أخيها الحاكم، وإنّ والدها العزيز بالله كان قد أفردها بسكنى القصر الغربيّ، وجعل لها طائفة برسمها كانوا يسمون: بالقصرية، وهذا يدلك على أنّ القصر الغربيّ كان قد بنى قبل المستنصر، وهو الصحيح، وكان هذا القصر يشتمل أيضا على عدّة أماكن:
الميدان: وكان بجوار القصر الغربيّ، ومن حقوقه الميدان، ويعرف هذا الميدان اليوم بالخرنشف واصطبل القطبية.
البستان الكافوري: وكان من حقوق القصر الصغير الغربيّ: البستان الكافوريّ، وكان بستانا أنشأه الأمير أبو بكر محمد بن طفج بن جف الإخشيد أمير مصر، وكان مطلا على الخليج، فاعتنى به الإخشيد، وجعل له أبوابا من حديد، وكان ينزل به، ويقيم فيه الأيام، واهتمّ بشأنه من بعد الإخشيد ابناه: الأمير أبو القاسم أونوجور بن الإخشيد، والأمير أبو الحسن عليّ بن الإخشيد في أيام إمهارتهما بعد أبيهما، فلما استبدّ من بعدهما الأستاذ أبو المسك كافور الإخشيديّ بإمارة مصر كان كثيرا ما يتنزه به، ويواصل الركوب إلى الميدان الذي كان فيه وكانت خيوله بهذا الميدان.
فلما قدم القائد جوهر من المغرب بجيوش مولاه المعز لدين الله لأخذ ديار مصر، أناخ بجوار هذا البستان، وجعله من جملة القاهرة، وكان منتزها للخلفاء الفاطميين مدّة أيامهم، وكانوا يتوصلون إليه من سراديب مبنية تحت الأرض، ينزلون إليها من القصر الكبير الشرقيّ، ويسيرون فيها بالدواب إلى البستان الكافوريّ، ومناظر اللؤلؤة، بحيث لا تراهم الأعين، وما زال البستان عامرا إلى أن زالت الدولة، فحكر وبنى فيه في سنة إحدى وخمسين وستمائة، كما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى، عند ذكر الحارات والخطط من هذا الكتاب، وأما الأقباء والسراديب، فإنها عملت أسربة للمراحيض، وهي باقية إلى يومنا هذا تصب في الخليج.