سنة) «١» وبنى بدنقلة جامع يأوي إليه الغرباء، واعلم أنّ على ضفة النيل أيضا، الكانم، وملكها مسلم، وبينه وبين بلاد مالي مسافة بعيدة جدّا، وقاعدة ملكه بلدة اسمها حميمي، وأوّل مملكته من جهة مصر بلدة اسمها زرلا، وآخرها طولا بلدة يقال لها: كاكا، وبينهما نحو ثلاثة أشهر، وهم يتلثمون، وملكهم متحجب لا يرى إلا يومي العيدين بكرة، وعند العصر، وطول السنة لا يكلمه أحد إلا من وراء حجاب، وغالب عيشهم الأرز، وهو ينبت من غير بذر، وعندهم القمح والذرة والتين والليمون والباذنجان واللفت والرطب، ويتعاملون بقماش ينسج عندهم اسمه: دندي طول كل ثوب، عشرة أذرع، يشترون به من ربع ذراع فأكثر، ويتعاملون أيضا بالودع والخرز والنحاس المكسر والورق، وجميع ذلك بسعر ذلك القماش، وفي جنوبها شعارى وصحارى، فيها أشخاص متوحشة كالفيول قريبة من شكل الآدميّ لا يلحقها الفارس تؤذي الناس، ويظهر في الليل أيضا شبه نار تضيء، فإذا مشى أحد ليلحقها بعدت عنه، ولو جرى إليها لا يصل إليها بل لا تزال أمامه فإذا رماها بحجر، فأصابها تشظى منها شرر، وتعظم عندهم اليقطينة حتى تصنع منها مراكب يعبر فيها في النيل.
وهذه البلاد بين إفريقية وبرقة ممتدّة في الجنوب إلى سمت الغرب الأوسط، وهي بلاد قحطان وشطن «٢» وسوء مزاج، وأوّل من بث بها الإسلام، الهادي العثمانيّ، ادّعى أنه من ولد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وصارت بعده، لليزنيين من بني سيف بن ذي يزن، وهم على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله، والعدل قائم بينهم، وهم يابسون في الدين لا يلينون، وبنوا بمدينة مصر مدرسة للمالكية عرفت بمدرسة ابن رشيق في سني أربعين وستمائة، وصارت وفودهم تنزل بها، وسيرد ذكرها في المدارس إن شاء الله تعالى.
[ذكر البجة ويقال إنهم من البربر]
اعلم أنّ أول بلد البجة من قرية تعرف بالحزبة معدن الزمرّذ في صحراء قوص، وبين هذا الموضع، وبين قوص نحو من ثلاث مراحل، وذكر الجاحظ أنه ليس في الدنيا معدن للزمرّذ غير هذا الموضع، وهو يوجد في مغاير بعيدة مظلمة يدخل إليها بالمصابيح، وبحبال يستدل بها على الرجوع خوف الضلال، ويحفر عليه بالمعاول، فيوجد في وسط الحجارة، وحوله غشيم دونه في الصبغ والجوهر، وآخر بلاد البجة، أوّل بلاد الحبشة، وهم في بطن هذه الجزيرة أعني جزيرة مصر إلى سيف البحر الملح مما يلي جزائر سواكن، وباضع، ودهلك، وهم بادية يتبعون الكلأ، حيثما كان الرعي بأخبية من جلود.