للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المكروه الواقع بهم، وينادون الملك يعيش فليكن أمره، وهو يتتوّج بالذهب، والذهب كثير في بلده.

ومما في بلده من العجائب: أنّ في الجزيرة الكبرى التي بين البحرين جنسا يعرف:

بالكرنينا، لهم أرض واسعة مزروعة من النيل والمطر، فإذا كان وقت الزرع خرج كل واحد منهم بما عنده من البذر، واختط على مقدار ما معه وزرع في أربعة أركان الخطة يسيرا، وجعل البذر في وسطه الخطة وشيئا من المزر، وانصرف عنه فإذا أصبح وجد ما اختط، قد زرع وشرب المزر، فإذا كان وقت الحصاد، حصد يسيرا منه ووضعه في موضع أراده ومعه مزر، وينصرف، فيجد الزرع قد حصد بأسره، وجرّن فإذا أراد دراسه وتذريته فعل به كذلك، وربما أراد أحدهم أن ينقي زرعه من الحشيش، فيلفظ بقلع شيء من الزرع فيصبح، وقد قلع جميع الزرع، وهذه الناحية التي فيها ما ذكرته بلدان واسعة مسيرة شهرين في شهرين يزرع جميعها في وقت واحد، وميرة بلد، علوة ومتملكهم من هذه الناحية، فيوجهون المراكب، فتوسق، وربما وقع بينهم حرب.

قال: وهذه الحكاية صحيحة معروفة مشهورة عند جميع النوبة والعلوة، وكل من يطرق ذلك البلد من تجار المسلمين لا يشكون فيه ولا يرتابون به، ولولا أنّ اشتهاره وانتشاره مما لا يجوز التواطؤ على مثله، لما ذكرت شيئا منه لشناعته، فأما أهل الناحية، فيزعمون أن الجنّ تفعل ذلك، وأنها تظهر لبعضهم، وتخدمهم بحجارة ينطاعون لهم بها، وتعمل لهم عجائب، وأنّ السحاب يطيعهم؟!.

قال: ومن عجائب ما حدّثني به متملك المقرة للنوبة، أنهم يمطرون في الجبال، ويلتقطون منه للوقت سمكا على وجه الأرض، وسألتهم عن جنسه، فذكروا أنه صغير القدر بأذناب حمر، قال: وقد رأيت جماعة وأجناسا ممن تقدّم ذكر أكثرهم يعترفون بالباري سبحانه وتعالى، ويتقرّبون إليه بالشمس والقمر والكواكب، ومنهم من لا يعرف الباري ويعبد الشمس والنار، ومنهم من يعبد كل ما استحسنه من شجرة أو بهيمة، وذكر أنه رأى رجلا في مجلس عظيم المقرة سأله عن بلده؟ فقال: مسافته إلى النيل ثلاثة أهلة، وسأله عن دينه؟

فقال: ربي وربك الله، وربّ الملك، وربّ الناس كلهم واحد، وإنه قال له: فأين يكون؟

قال: في السماء وحده، وقال: إنه إذا أبطأ عنهم المطر أو أصابهم الوباء، أو وقع بدوابهم آفة صعدوا الجبل، ودعوا الله، فيجابون للوقت وتقضى حاجتهم قبل أن ينزلوه، وسأله هل أرسل فيكم رسول؟ قال: لا، فذكر له بعثة موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم وسلامه، وما أبدوا به من المعجزات، فقال: إذا كانوا فعلوا هذا، فقد صدقوا، ثم قال: قد صدّقتهم إن كانوا فعلوا.

قال مؤلفه رحمه الله: وقد غلب أولاد، كنز الدولة على النوبة وملكوها (من

<<  <  ج: ص:  >  >>