وبعث إلى داره الأمير علم الدين سنجر الشجاعيّ، فوجد له من العين ستمائة ألف دينار، ومن الفضة سبعة عشر ألف رطل ومائة رطل مصري، عنها زيادة على مائة وسبعين قنطارا فضة سوى الأواني، ومن العدد والأسلحة والأقمشة والآلات والخيول والمماليك ما يتعذر إحصاء قيمته، ومن الغلات والأملاك شيء كثير جدّا، ووجد له من البضائع والأموال المسفرة على اسمه والودائع والمقارضات والقنود والأعسال والأبقار والأغنام والرقيق وغير ذلك شيء يجل وصفه، هذا سوى ما أخفاه مباشروه بمصر والشام، فلما حملت أمواله إلى الأشرف جعل يقلبها ويقول:
من عاش بعد عدوّه ... يوما فقد بلغ المنى
واتفق بعد موت طرنطاي أن ابنه سأل الدخول على السلطان الأشرف فأذن له، فلما وقف بين يديه جعل المنديل على وجهه وكان أعمى، ثم مدّ يده وبكى وقال: شيء لله، وذكر أنّ لأهله أياما ما عندهم ما يأكلونه، فرق له وأفرج عن أملاك طرنطاي وقال: تبلغوا بريعها، فسبحان من بيده القبض والبسط.
[المدرسة المنكوتمرية]
هذه المدرسة بحارة بهاء الدين من القاهرة، بناها بجوار داره الأمير سيف الدين منكوتمر الحساميّ نائب السلطنة بديار مصر، فكملت في صفر سنة ثمان وتسعين وستمائة، وعمل بها درسا للمالكية قرّر فيه الشيخ شمس الدين محمد بن أبي القاسم بن عبد السلام بن جميل التونسيّ المالكيّ، ودرسا للحنفية درّس فيه ... «١» وجعل فيها خزانة كتب وجعل عليها وقفا ببلاد الشام، وهي اليوم بيد قضاة الحنفية يتولون نظرها، وأمرها متلاش وهي من المدارس الحسنة.
منكوتمر: هو أحد مماليك الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوريّ، ترقى في خدمته واختص به اختصاصا زائدا إلى أن ولي مملكة مصر بعد كتبغا، في سنة ست وتسعين وستمائة، فجعله أحد الأمراء بديار مصر، ثم خلع عليه خلع نيابة السلطنة عوضا عن الأمير شمس الدين قراسنقر المنصوريّ، يوم الأربعاء النصف من ذي القعدة، فخرج سائر الأمراء في خدمته إلى دار النيابة وباشر النيابة بتعاظم كثير، وأعطى المنصب حقه من الحرمة الوافرة والمهابة التي تخرج عن الحدّ، وتصرّف في سائر أمور الدولة من غير أن يعارضه السلطان في شيء البتة، وبلغت عبرة إقطاعه في السنة زيادة على مائة ألف دينار.
ولما عمل الملك المنصور الروك المعروف بالروك الحساميّ، فوّض تفرقة منالات