مروان بن محمد الجعديّ، في سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وهي خراب فضاء يعرف بعضه بجبل يشكر، نزل صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس، وأبو عون عبد الملك بن يزيد بعسكرهما في هذا الفضاء، وأمر عبد الملك أبو عون أصحابه بالبناء فيه، فبنوا. وسمي من يومئذ بالعسكر، وصار أمراء مصر إذا قدموا ينزلون فيه من بعد أبي عون. وقال الناس من عهده كنا بالعسكر، خرجنا إلى العسكر، وكنت في العسكر. فصارت مدينة الفسطاط والعسكر. ونزل الأمراء من عهد أبي عون بالعسكر، فلما ولي يزيد بن حاتم إمارة مصر، وقام عليّ بن محمد بن عبد الله بن حسن وطرق المسجد، كتب أبو جعفر المنصور إلى يزيد بن حاتم يأمره أن يتحوّل من العسكر إلى الفسطاط، وأن يجعل الديوان في كنائس القصر، وذلك في سنة ست وأربعين ومائة، إلى أن قدم الأمير أبو العباس أحمد بن طولون من العراق أميرا على مصر، فنزل بالعسكر بدار الإمارة التي بناها صالح بن عليّ بعد هزيمة مروان وقتله، وكان لها باب إلى الجامع الذي بالعسكر، وكان الأمراء ينزلون بهذه الدار إلى أن نزلها أحمد بن طولون، ثم تحوّل منها إلى القطائع، وجعلها أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون عند إمارته على مصر ديوانا للخراج، ثم فرّقت حجرا حجرا بعد دخول محمد بن سليمان الكاتب إلى مصر، وزوال دولة بني طولون، وسكن محمد بن سليمان أيضا بدار في العسكر عند المصلّى القديم، ونزلها الأمراء من بعده إلى أن ولي الإخشيد محمد بن طفج فنزل بالعسكر أيضا، ولما بنى أحمد بن طولون القطائع اتصلت مبانيها بالعسكر، وبنى الجامع على جبل يشكر، فعمر ما هناك عمارة عظيمة، بحيث كانت هناك دار على بركة قارون أنفق عليها كافور الإخشيديّ مائة ألف دينار، وسكنها. وكان هناك مارستان أحمد بن طولون أنفق عليه وعلى مستغله ستين ألف دينار.
وقدمت عساكر المعز لدين الله مع كاتبه وغلامه جوهر القائد في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة والعسكر عامر، غير أنه منذ بنى أحمد بن طولون القطائع هجر اسم العسكر، وصار يقال مدينة الفسطاط والقطائع، فلما خرّب محمد بن سليمان الكاتب قصر ابن طولون وميدانه، كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب، صارت القطائع فيها المساكن الجليلة، حيث كان العسكر، وأنزل المعز لدين الله عمه أبا عليّ في دار الإمارة، فلم يزل أهله بها إلى أن خربت القطائع في الغلاء الكائن بمصر في خلافة المستنصر، أعوام بضع وخمسين وأربعمائة. فيقال أنه كان هنالك ما ينيف على مائة ألف دار، ولا ينكر ذلك. فانظر ما بين سفح الجبل حيث القلعة الآن، وبين ساحل مصر القديم الذي يعرف اليوم بالكبارة، وما بين كوم الجارح من مصر، وقناطر السباع، فهناك كانت القطائع والعسكر، ويخص العسكر من ذلك ما بين قناطر السباع وحدرة ابن قميحة إلى كوم الجارح، حيث الفضاء الذي يتوسط فيما بين قنطرة السدّ وباب المخدم من جهة القرافة، فهناك كان العسكر. ولما استولى