للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس من أقطار الأرض، وكانت الحكماء والفلاسفة ممن سواهم تتهافت عليهم وتريد التقرّب إليهم، لما كان عندهم من علوم السحر والطلسمات والهندسة والنجوم والطب والحساب والكيمياء، ولهم في ذلك أخبار كثيرة، وكانت لهم لغة يختصون بها، وكانت خطوطهم ثلاثة أصناف: خط العامّة، وخط الخاصة، وهو خط الكهنة المختصر، وخط الملوك. وقال ابن وصيف شاه: كانت كهنة مصر أعظم الكهان قدرا وأجلها علما بالكهانة، وكانت حكماء اليونانيين تصفهم بذلك وتشهد لهم به، فيقولون اختبرنا حكماء مصر بكذا وكذا، وكانوا ينحون بكهانتهم نحو الكواكب ويزعمون أنها هي التي تفيض عليهم العلوم وتخبرهم بالغيوب، وهي التي تعلمهم أسرار الطوالع وصفة الطلاسم، وتدلهم على العلوم المكتومة والأسماء الجليلة المخزونة، فعملوا الطلسمات المشهورة والنواميس الجليلة، وولدوا الأشكال الناطقة وصوّروا الصور المتحرّكة، وبنوا العالي من البنيان، وزبروا علومهم في الحجارة، وعملوا من الطلسمات ما دفعوا به الأعداء عن بلادهم، فحكمهم باهرة، وعجائبهم ظاهرة، وكانت أرض مصر خمسا وثمانين كورة منها: أسفل الأرض خمس وأربعون كورة، ومنها بالصعيد أربعون كورة، وكان في كل كورة رئيس من الكهنة وهم السحرة، وكان الذي يتعبد منهم للكواكب السبعة السيارة سبع سنين يسمونه باهر، والذي يتعبد منهم لها تسعا وأربعين سنة لكلّ كوكب سبع سنين يسمونه قاطر، وهذا يقوم له الملك إجلالا ويجلسه معه إلى جانبه، ولا يتصرّف إلّا برأيه، وتدخل الكهنة ومعهم أصحاب الصنائع فيقفون حذاء القاطر، وكان كلّ كاهن منهم ينفرد بخدمة كوكب من الكواكب السبعة السيارة لا يتعدّاه إلى سواه، ويدعي بعبد ذلك الكوكب فيقال: عبد القمر، عبد عطارد، عبد الزهرة، عبد الشمس، عبد المريخ، عبد المشتري، عبد زحل. فإذا وقفوا جميعا قال القاطر لأحدهم: أين صاحبك اليوم؟ فيقول في برج كذا ودرجة كذا ودقيقة كذا. ثم يقول للآخر كذلك، فيجيبه حتى يأتي على جميعهم، ويعرف أماكن الكواكب من فلك البروج ثم يقول للملك ينبغي أن تعمل اليوم كذا، أو تأكل كذا، أو تجامع في وقت كذا، أو تركب وقت كذا، إلى آخر ما يحتاج إليه، والكاتب قائم بين يديه يكتب ما يقول، ثم يلتفت القاطر إلى أهل الصناعات ويخرجهم إلى دار الحكمة فيضعون أيديهم في الأعمال التي يصلح عملها في ذلك اليوم، ثم يؤرخ ما جرى في ذلك اليوم في صحيفة وتخزن في خزائن الملك، وكان الملك إذا همه أمر جمع الكهان خارج مدينة منف، وقد اصطف الناس لهم بشارع المدينة، ثم يدخل الكهان ركبانا على قدر مراتبهم والطبل بين أيديهم، وما منهم إلّا من أظهر أعجوبة قد عملها، فمنهم من يعلو وجهه نور كهيئة نور الشمس لا يقدر أحد على النظر إليه، ومنهم من على بدنه جواهر مختلفة الألوان قد نسجت على ثوب، ومنهم من يتوشح بحيات عظيمة، ومنهم من يعقد فوقه قبة من نور، إلى غير ذلك من بديع أعمالهم، ويصيرون كذلك إلى حضرة الملك فيخبرهم بما نزل به، فيجيلون رأيهم فيه حتى يتفقوا على ما يصرفونه به،

<<  <  ج: ص:  >  >>