فأقول: الجهات من حيث هي ست: الشرق وهو حيث تطلع الشمس. والقمر، وسائر الكواكب في كل قطر من الأفق، والغرب وهو حيث تغرب، والشمال وهو حيث مدار الجدي والفرقدين، والجنوب وهو حيث مدار سهيل، والفوق وهو مما يلي السماء، والتحت وهو مما يلي مركز الأرض.
والأرض جسم مستدير كالكرة، وقيل: ليست بكرية الشكل وهي واقفة في الهواء بجميع جبالها وبحارها وعامرها وغامرها، والهواء محيط بها من جميع جهاتها كالمحّ في جوف البيضة وبعدها من السماء متساو من جميع الجهات وأسفل الأرض ما تحقيقه هو عمق باطنها مما يلي مركزها من أيّ جانب كان. ذهب الجمهور إلى أن الأرض كالكرة موضوعة في جوف الفلك كالمح في البيضة، وأنها في الوسط وبعدها في الفلك من جميع الجهات على التساوي.
وزعم هشام بن الحكم: أن تحت الأرض جسما من شأنه الارتفاع وهو المانع للأرض من الانحدار، وهو ليس محتاجا إلى ما بعده، لأنه ليس يطلب الانحدار بل الارتفاع، وقال:
إن الله تعالى وقفها بلاد عماد.
وقال ديمقراطس: أنها تقوم على الماء، وقد حصر الماء تحتها حتى لا يجد مخرجا فيضطرّ إلى الانتقال، وقال آخر: هي واقفة على الوسط على مقدار واحد من كلّ جانب والفلك يجذبها من كل وجه فلذلك لا تميل إلى ناحية من الفلك دون ناحية، لأنّ قوة الأجزاء متكافئة، وذلك كحجر المغناطيس في جذبه الحديد فإنّ الفلك بالطبع مغناطيس الأرض، فهو يجذبها فهي واقفة في الوسط، وسبب وقوفها في الوسط سرعة تدوير الفلك ودفعه إياها من كل جهة إلى الوسط.
كما إذا وضعت ترابا في قارورة وأدرتها بقوّة فإنّ التراب يقوم في الوسط.
وقال محمد بن أحمد الخوارزمي «١» : الأرض في وسط السماء، والوسط هو السفلى بالحقيقة، وهي مدوّرة مضرسة من جهة الجبال البارزة والوهاد الغائرة، وذلك لا يخرجها عن الكرية إذا اعتبرت جملتها لأنّ مقادير الجبال وإن شمخت يسيرة بالقياس إلى كرة الأرض، فإن الكرة التي قطرها ذراع، أو ذراعان مثلا إذا أنتأ منها شيء أو غار فيها لا يخرجها عن الكرية، ولا هذه التضاريس لإحاطة الماء بها من جميع جوانبها وغمرها، بحيث لا يظهر منها شيء. فحينئذ تبطل الحكمة المؤدّية المودعة في المعادن، والنبات والحيوان، فسبحان من لا يعلم أسرار حكمه إلا هو. وأما سطحها الظاهر المماس للهواء من جميع